خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢٨
بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ
٢٩
وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ
٣٠
وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
٣١
-الزخرف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَجَعَلَهَا } أي جعلَ إبراهيمُ كلمةَ التوحيدِ التي ما تكلمَ به عبارةٌ عنْهَا { كَلِمَةً بَـٰقِيَةً فِى عَقِبِهِ } أي في ذريتِه حيثُ وصَّاهُم بها كما نطقَ به قولُه تعالى: { { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } [سورة البقرة، الآية 132] الآيةَ فلا يزالُ فيهم مَن يوحدُ الله تعالى ويدعُو إلى توحيدِه. وقُرِىءَ كِلْمةً وفي عقْبهِ على التخفيفِ { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } علةٌ للجعلِ أي جعلَها باقةً في عقبهِ رجاءَ أنْ يرجعَ إليها من أشركَ منهم بدعاءِ الموحدِ { بَلْ مَتَّعْتُ هَـؤُلاَء } إضرابٌ عن محذوفٍ ينساقُ إليهِ الكلامُ كأنَّه قيلَ: جعلَها كلمةً باقيةً في عقبهِ بأنْ وصَّى بها بنيهِ رجاءَ أنْ يرجعَ إليها مَنْ أشركَ منهم بدعاءِ الموحدِ فلم يحصلُ ما رجاهُ بل متعتُ منهم هؤلاءِ المعاصرينَ للرسولِ صلى الله عليه وسلم من أهلِ مكةَ { وَءابَاءهُمْ } بالمدِّ في العمرِ والنعمةِ فاغترُّوا بالمهلةِ وانهمكُوا في الشهواتِ وشُغلوا بها عنْ كلمةِ التوحيدِ. { حَتَّىٰ جَاءهُمُ } أي هؤلاءِ { ٱلْحَقّ } أي القرآنُ { وَرَسُولٌ } أيُّ رسولٍ { مُّبِينٌ } ظاهرُ الرسالةِ واضحُها بالمعجزاتِ الباهرةِ، أو مبـينٌ للتوحيدِ بالآياتِ البـيناتِ والحججِ. وقُرِىءَ متَّعنَا ومتَّعتَ بالخطابِ على إنَّه تعالى اعترضَ به على ذاتِه في قولِه تعالى: { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَـٰقِيَةً } [سورة الزخرف، الآية 28] الخ مبالغةً في تعيـيرِهم، فإنَّ التمتعَ بزيادةِ النعمِ يوجبُ عليهم أنْ يجعلُوه سبباً لزيادةِ الشكرِ والثباتِ على التوحيدِ والإيمانِ فجعلَه سبباً لزيادةِ الكُفرانِ أقصى مراتبِ الكفرِ والضلالِ.

{ وَلَمَّا جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ } لينبههَمُ عمَّا هم فيهِ من الغفلةِ ويرشدَهُم إلى التوحيدِ ازدادُوا كفراً وعَتَوا وضمُّوا إلى كفرِهم السابقِ معاندةَ الحقِّ والاستهانةَ بهِ حيثُ { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَـٰفِرُونَ } فسمَّوا القرآنَ سِحْراً، وكفُروا بهِ واستحقرُوا الرسولَ صلى الله عليه وسلم. { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ } أي من إِحْدَى القريتينِ مكةَ والطائفِ على نهجِ قولِه تعالى: { { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [سورة الرحمن، الآية 22] { عظِيمٌ } أي بالجاهِ والمالِ كالوليدِ بنِ المغيرةَ المخزوميِّ وعروةَ بنِ مسعودٍ الثقفيِّ وقيلَ: حبـيبُ بنُ عُمرَ بنِ عميرٍ الثقفيَّ. وعن مجاهدٍ وعتبةُ بنُ ربـيعةَ وكنانةُ بنُ عبدِ ياليلَ ولم يتفوهُوا بهدهِ العظيمةِ حَسَداً على نزولِه إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم دونَ مَنْ ذُكر من عظمائِهم مع اعترافِهم بقرآنيتِه بل استدلالاً على عدمِها بمَعْنى أنَّه لو كانَ قرآنا لنزلَ إلى أحدِ هؤلاءِ بناءً على ما زعمُوا من أنَّ الرسالةَ منصبٌ جليلٌ لا يليقُ بهِ إلا مَنْ له جلالةٌ من حيثُ المالُ والجاهُ ولم يدرُوا أنَّها رتبةٌ روحانيةٌ لا يترقَّى إليَها إلا هممُ الخواصِّ المختصينَ بالنفوسِ الزكيةِ المؤيدينَ بالقوةِ القدسية المتجلينَ بالفضائلِ الأنسيةِ، وأما المتزخرفونَ بالزخارفِ الدنيويةِ المتمتعونَ بالحظوظِ فهُم من استحقاقِ تلكَ الرتبةِ بألفِ منزلٍ.