خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
٥
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦
رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
٧
لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
٩
-الدخان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا } نصبَ على الاختصاصِ أيْ أعنِي بهذا الأمرِ أمراً حاصلاً من عندِنا على مُقتضَى حكمتِنا وهو بـيانٌ لفخامتِه الإضافيةِ بعدَ بـيانِ فخامتِه الذاتيةِ ويجوزُ كونُه حالاً من كلِّ أمرٍ لتخصصِه بالوصفِ أو من ضميرِه في حكيمٍ وقد جُوِّزَ أنْ يرادَ به مقابلَ النهي ويجعلَ مصدراً مؤكداً ليُفرَقُ لاتحادِ الأمرِ والفرقانِ في المَعْنى، أو لفعلِه المضمرِ لما أنَّ الفرقَ بهِ، أو حالاً من أحدِ ضميرَيْ أنزلناهُ أي آمرينَ أو مأموراً بهِ { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } بدلٌ من إنَّا كُنَّا منذرينَ وقيلَ: جوابٌ ثالثٌ وقيل: مستأنفٌ، وقولُه تعالى { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } غايةٌ للإرسالِ متأخرةٌ عنه على أنَّ المرادَ بها الرحمةُ الواصلةُ إلى العبادِ وباعثٌ متقدمٌ عليه على أنَّ المرادَ مبدؤُها أي إنَّا أنزلَنا القُرآنَ لأنَّ من عادتِنا إرسالَ الرسلِ بالكتبِ إلى العبادِ لأجلِ إفاضةِ رحمتِنا عليهم أو لاقتضاءِ رحمتِنا السابقةِ إرسالَهم، ووضعُ الربِّ موضعَ الضميرِ للإيذانِ بأنَّ ذلكَ من أحكامِ الربوبـيةِ ومقتضياتِها، وإضافتُه إلى ضميرهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لتشريفهِ أو تعليلٌ ليُفرقُ أو لقولِه تعالى أمراً، على أنَّ قولَه تعالى رحمةً مفعولٌ للإرسالِ كَما في قولِه تعالى: { { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } [سورة فاطر، الآية 2] أي يفرقُ فيها كلُّ أمرٍ أو تصدرُ الأوامرُ من عندِنا لأنَّ من عادتِنا إرسالَ رحمتِنا. ولا ريبَ في أنَّ كلاً من قسمةِ الأرزاقِ وغيرِها والأوامرِ الصادرةِ منه تعالَى من بابِ الرحمةِ فإن الغايةَ لتكليفِ العبادِ تعريضُهم للمنافعِ. وقُرِىءَ رحمةٌ بالرفعِ، أي تلكَ رحمةٌ. وقولُه تعالى: { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } تحقيقٌ لربوبـيتِه تعالى وأنَّها لا تحِقُّ إلا لمَنْ هذهِ نعوتُه.

{ رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } بدلٌ من ربِّك أو بـيانٌ أو نعتٌ، وقُرِىءَ بالرفعِ على أنَّه خبرٌ آخرُ أو استئنافٌ على إضمارِ مبتدأٍ { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إنْ كنتُم من أهلِ الإيقانِ في العلومِ أو إنْ كنتُم موقنينَ في إقرارِكم بأنَّه تعالَى ربُّ السمواتِ والأرضِ وما بـينَهُما إذَا سئلتُم مَنْ خلَقها فقلتُم الله علمتُم أنَّ الأمرَ كمَا قُلنا أو إنْ كنتُم مريدينَ اليقينَ فاعلمُوا ذلكَ { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } جملةٌ مستأنفةٌ مقررةٌ لما قبلَها، وقيلَ: خبرٌ لقولِه ربِّ السمواتِ الخ وما بـينهما اعتراضٌ { يُحْيىِ وَيُمِيتُ } مستأنفةٌ كما قبلَها وكَذا قولُه تعالى { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } بإضمارِ مبتدأٍ أو بدلٌ من ربِّ السمواتِ على قراءةِ الرفعِ، أو بـيانٌ أو نعتٌ له، وقيلَ: فاعلٌ ليميتُ، وفي يُحيـي ضميرٌ راجعٌ إلى ربِّ السمواتِ. وقُرِىءَ بالجرِّ بدلاً من ربِّ السمواتِ عَلى قراءةِ الجرِّ. { بْل هُمْ فَى شَكّ } مما ذُكِرَ من شؤونِه تعالَى غيرُ موقنينَ في إقرارِهم { يَلْعَبُونَ } لا يقولونَ ما يقولونَ عن جِدَ وإذعانٍ بلْ مخلوطاً بهُزْؤٍ ولعبٍ.