خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
٢١
قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٢٢
قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
٢٣
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٤
-الأحقاف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱذْكُرْ } أيْ لكُفَّارِ مكةَ { أَخَا عَادٍ } أيْ هوداً عليهِ السلامُ، { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ } بدلُ اشتمالٍ منْهُ أي وقتَ إنذارِه إِيَّاهُم. { بِٱلاْحْقَافِ } جمعُ حِقْفٍ، وهُو رملٌ مستطيلٌ مرتفعٌ فيهِ انحناءٌ منِ احقوقفَ الشيءُ إذا اعوجَّ. وكانتْ عادٌ أصحابَ عَمدٍ يسكنونَ بـين رمالٍ مشرفةٍ على البحرِ بأرضٍ يُقالُ لها الشّحْرُ من بلادِ اليمنِ، وقيلَ: بـينَ عُمَانَ ومَهَرَةَ. { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ } أي الرُّسلُ جمعُ نذيرٍ بمعنى المنذرِ. { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } أي من قبلهِ { وَمِنْ خَلْفِهِ } أي منْ بعدهِ. والجملةُ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ مؤكدٌ لوجوبِ العملِ بموجبِ الإنذارِ، وُسِّط بـينَ أنذرَ قومَهُ وبـينَ قولِه { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } مسارعةً إلى ما ذُكِرَ من التقريرِ والتأكيدِ وإيذاناً باشتراكِهم في العبارةِ المحكيةِ، والمَعْنى واذكُرْ لقومِكَ إنذارَ هودٍ قومَهُ عاقبةَ الشركِ والعذابِ العظيمِ، وقد أندرَ مَنْ تقدمَهُ من الرسلِ، ومن تأخرَ عنْهُ قومَهُم مثلَ ذلكَ فاذكُرهم. وأَما جعلُها حالاً من فاعلِ أنذرَ على مَعْنى أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنذرَهُم، وقالَ لَهُم لا تعبدُوا إلا الله { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقد أعلمهم أنَّ الرسلَ الذين بُعثوا قبلَه والذينَ سيُبعثونَ بعدَهُ كلَّهم منذرونَ نحوَ إنذارِه، فمعَ ما فيهِ من تكلفِ تقديرِ الإعلامِ لا بُدَّ في نسبةِ الخلوِّ إلى مَن بعدَهُ من الرسلِ من تنزيلِ الآتِي منزلةَ الخالِي. { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا } أيْ تَصُرِفَنَا { عَنْ ءالِهَتِنَا } عن عبادتِها { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } منَ العذابِ العظيمِ { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في وعدِك بنزولهِ بنَا.

{ قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ } أي بوقتِ نزولِه أو العلمُ بجميعِ الأشياءِ التي من جُمْلتِها ذلكَ { عَندَ ٱللَّهِ } وحدَهُ لا علمَ لي بوقتِ نزولِه ولا مدخلَ لي في إتيانِه وحلولِه وإنَّما علمُه عندَ الله تعالَى فيأتيكُم بهِ في وقتهِ المقدرِ لهُ. { وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ } من مواجبِ الرسالةِ التي من جُملتِها بـيانُ نزولِ العذابِ إنْ لم تنتُهوا عن الشركِ من غيرِ وقوفٍ على وقتِ نزولِه. وقُرِىءَ أُبْلِغُكُم من الإبلاغِ. { وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } حيثُ تقترحُون عليَّ ما ليسَ من وظائفِ الرسلِ من الإتيانِ بالعذابِ وتعيـينِ وقتهِ. والفاءُ في قولِه تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْهُ } فصيحةٌ، والضميرُ إما مُبهمٌ يوضحه قولُه تعالى { عَارِضاً } تميـيزٌ أو حالٌ أو راجعٌ إلى ما استعجلُوه بقولِهم فائتنا بما تَعدُنا أي فأتاهُم فلمَّا رأَوهُ سحاباً يعرضُ في أفق السماءِ { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } أي متوجِّه أوديتِهم. والإضافةُ فيه لفظيةٌ كما في قولِه تعالى { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } ولذلكَ وَقَعا وصفينِ للنكرةِ { بَلْ هُوَ } أي قالَ هُودٌ وقد قُرِىءَ كذلكَ، وقُرِىءَ قُلْ، وهُو ردٌّ عليهم، أيْ ليسِ الأمرُ كذلكَ بلْ هُو { مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } من العذابِ { رِيحٌ } بدلٌ منْ ما أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ. { فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } صفةٌ لريحٌ.