خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
٧
إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً
٨
لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١٠
سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١١
-الفتح

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } إعادةٌ لما سبقَ قالُوا فائدتُها التنبـيهُ على أنَّ لله تعالى جنودَ الرحمةِ وجنودَ العذابِ وأنَّ المرادَ ههنا جنودُ العذابِ كما ينبىءُ عنه التعرضُ لوصفِ العزةِ. { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } أيْ على أُمتكَ لقولِه تعالى: { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [سورة البقرة، الآية 143] { وَمُبَشّراً } على الطاعةِ { وَنَذِيرًا } على المعصيةِ.

{ لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الخطابُ للنبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ ولأُمَّتهِ { وَتُعَزّرُوهُ } وتقوُّوه بتقويةِ دينِه ورسولِه { وَتُوَقّرُوهُ } وتُعظِّمُوه { وَتُسَبّحُوهُ } وتنزهوه أو تصلّوا له من السُّبحة. { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } غدوة وعشياً. عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا: صلاةُ الفجرِ وصلاةُ الظهرِ وصلاةُ العصرِ. وقُرىءَ الأفعالُ الأربعةُ بالياءِ التحتانيةِ، وقُرِىءَ وتُعزِرُوه بضمِّ التاءِ وتخفيفِ الزَّاي المكسورةِ، وقُرِىءَ بفتحِ التَّاءِ وضمِّ الزَّاي وكسرِها، وتُعززوه بزاءينِ، وتُوقِروه منْ أوقَرهُ بمعنى وَقَّره.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } أيْ على قتالِ قُريشٍ تحتَ الشجرةِ. وقولُه تعالى: { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } خبرُ إن يعني أنَّ مبايعتَكَ هي مبايعةُ الله عزَّ وجلَّ لأنَّ المقصودَ توثيقُ العهدِ بمراعاةِ أوامِره ونواهِيه. وقولُه تعالى: { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } حالٌ أو استثنافٌ مؤكدٌ له على طريقةِ التخيـيلِ، والمَعْنى أنَّ عقدَ الميثاقِ مَعِ الرسولِ كعقدِه مع الله تعالى من غيرِ تفاوتٍ بـينَهما، كقولِه تعالى: { { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [سورة النساء، الآية 80] وقُرِىءَ إنَّما يُبايعونَ لله أي لأجلِه ولوجهِه. { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي فمنَ نقضَ عهدَهُ فإنَّما يعودُ ضررُ نكثِه على نفسِه. وقُرِىءَ بكسرِ الكافِ. { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } بضمِّ الهاءِ فإنَّه أبقَى بعد حذفِ الواوِ توسلاً بذلكَ إلى تفخيمِ لامِ الجلالةِ. وقُرىءَ بكسرِها أيْ ومَنْ وفَّى بعهدِه. { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } هُو الجنةُ. وقُرِىءَ بما عَهد، وقُرِىءَ فسنؤتيِه بنونِ العظمةِ.

{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } هم أعرابُ غِفارِ ومُزينةَ وجُهينةَ وأشجعَ وأسلمَ والدِّيلِ تخلفُوا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حينَ استنفرَ من حولَ المدينةِ من الأعرابِ وأهلِ البوادِي ليخرجُوا معه عند إرادتِه المسيرَ إلى مكةَ عامَ الحديبـيةِ معُتمراً حذراً من قريشٍ أنْ يتعرضُوا له بحربٍ أو يصدُّوه عن البـيتِ وأحرمَ عليه الصلاةُ والسلامُ وساقَ معه الهديَ ليعلم أنَّه لا يريدُ الحربَ وتثاقلُوا عن الخروجِ وقالُوا نذهبُ إلى قومٍ قد غزَوه في عقرِ دارِه بالمدينةِ وقتلُوا أصحابَه فنقاتلُهم فأَوْحَى الله تعالى إليه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بأنَّهم سيعتلونَ ويقولونَ { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } ولم يكُن لنا مَنْ يخلفنَا فيهم ويقومُ بمصالحِهم ويحميهمِ من الضياعِ. وقُرِىءَ شَغَّلتنَا بالتشديدِ للتكثيرِ { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } الله تعالى ليغفرَ لنَا تخلفنَا عنْكَ حيثُ لم يكن ذلكَ باختيارٍ بلْ عنِ اضطرارٍ { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } بدلٌ من سيقولُ أو استئنافٌ لتكذيبِهم في الاعتذارِ والاستغفارِ.

{ قُلْ } رَدَّاً لهم عندَ اعتذارِهم إليكَ بأباطيلِهم. { فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي فَمنْ يقدر لأجلكم منْ مشيئةِ الله تعالى وقضائِه على شيءٍ من النفعِ { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } أيْ مَا يُضرُّكم من هلاكِ الأهلِ والمالِ وضياعِهما حتَّى تتخلفُوا عنِ الخروجِ لحفظِهما ودفعِ الضررِ عنهُما وقُرىءَ ضُراً بالضمِّ. { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } أيْ ومَنْ يقدرُ على شيءٍ من الضررِ إنْ أرادَ بكُم ما يُنفعكُم من حفظِ أموالِكم وأهليكِم فأيُّ حاجةٍ إلى التخلفِ لأجلِ القيامِ بحفظِهما وهذا تحقيقٌ للحقِّ ورَدٌّ لهم بموجبِ ظاهرِ مقالتِهم الكاذبةِ، وتعميمُ الضرِّ والنفعِ لما يُتوقع ـ على تقديرِ الخروجِ من القتلِ والهزيمةِ والظفرِ والغنيمةِ ـ يردُّه قولُه تعالى: { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فإنه إضرابٌ عمَّا قالُوا وبـيانٌ لكذبِه بعدَ بـيانِ فسادِه عَلى تقديرِ صدقهِ أي ليسَ الأمرُ كَما تقولونَ بلْ كانَ الله خبـيراً بجميعِ ما تفعلون من الأعمالِ التي من جُملتها تخلفُكم وما هُو من مباديِه.