خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
١١
-الحجرات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ } أيْ منكُم { مِن قَوْمٍ } آخرينَ أيضاً منكُم وقولُه تعالى: { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ } تعليلٌ للنَّهِي أو لموجبِه أيْ عَسى أنْ يكونَ المسخورُ منْهم خيراً عندَ الله تَعَالى منَ الساخرينَ، والقومُ مختصٌّ بالرجالِ لأنُهم القُوّامُ على النساءِ وهُو في الأصلِ إمَّا جمعُ قائمٍ كصَوْمٍ وزَوْرٍ في جمعِ صائمٍ وزائرٍ أو مصدرٌ نعتَ بهِ فشاعَ في الجمعِ، وأما تعميمُه للفريقينِ في مثلِ قومِ عادٍ وقومِ فرعونَ فإمَّا للتغليبِ أو لأنهنَّ توابعُ، واختيارُ الجمع لغلبةِ وقوعِ السخريةِ في المجامعِ، والتنكيرُ إمَّا للتعميمِ أو للقصدِ إلى نَهْي بعضِهم عنْ سُخريةِ بعضٍ لما أنَّها مما يجرِي بـينَ بعضٍ وبعضٍ { وَلاَ نِسَاء } أيْ ولا تسخرْ نساءٌ من المؤمناتِ { مّن نّسَاء } منهنَّ { عَسَىٰ أَن يَكُنَّ } أيْ المسخورُ منهُنَّ { خَيْراً مّنْهُنَّ } أيْ منَ الساخراتِ فإنَّ مناطَ الخيريةِ في الفريقينِ ليسَ ما يظهرُ للناسِ من الصورِ والأشكالِ ولا الأوضاعِ والأطوارِ التي عليَها يدورُ أمرُ السخريةِ غالباً بلْ إنما هُوَ الأمورُ الكامنةُ في القلوبِ فلا يجترىء أحدٌ على استحقارِ أحدٍ فلعلَّهُ أجمعُ منْهُ لما نيطَ بهِ الخيريةُ عندَ الله تعالَى فيظلَم نفسَهُ بتحقيرِ منْ وقَّره الله تعالَى والاستهانةِ بَمنْ عظَّمُه الله تعالَى وقُرىءَ عَسَوا أنْ يكونُوا وعَسَينَ أنْ يكنَّ فعسَى حينئذٍ هي ذاتُ الخبرِ كما في قولِه تعالَى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } [سورة محمد، الآية 22] وَأمَّا على الأولِ فهيَ التي لا خيرَ لها { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } أيْ ولا يعبْ بعضُكم بعضاً فإنَّ المؤمنينَ كنفسٍ واحدةٍ أو لا تفعلُوا ما تُلمَزونَ بهِ فإنَّ منْ فعلَ ما يستحقُّ بهِ اللمزَ فقدْ لمزَ نفسَهُ واللمزُ الطعنُ باللسانِ وقُرىءَ بضمِّ الميمِ { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } أيْ ولا يدْعُ بعضُكم بعضاً بلقبِ السوءِ فإنَّ النبزَ مختصٌ بهِ عُرْفاً { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ } أي بئسَ الذكرُ المرتفعُ للمؤمنينَ أنْ يُذكرُوا بالفسقِ بعد دخولِهم الإيمانَ أو اشتهارِهم بهِ فإنَّ الاسمَ هَهُنا بمَعنى الذكرِ منْ قولِهم طارَ اسمُه في الناسِ بالكرم أو باللؤمِ، والمرادُ بهِ إمَّا تهجينُ نسبةِ الكفرِ والفسوقِ إلى المؤمنينَ خصوصاً إذْ رُوي أنَّ الآيةَ نزلتْ في "صفيةَ بنتِ حُيَـيِّ أتتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالتْ إنَّ النساءَ يقُلنَ لي يَا يهوديةُ بنت يهوديـينِ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: هَلاَّ قلتِ إنَّ أبـي هارونَ وعَمِّي مُوسى وزَوْجي محمدٌ" عليهمْ السلامُ أوِ الدلالةُ عَلى أنَّ التنابزَ فسقٌ والجمعُ بـينَهُ وبـينَ الإيمانِ قبـيحٌ { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } عَمَّا نُهي عَنْهُ { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } بوضعِ العصيانِ موضعَ الطاعةِ وتعريضِ النفسِ للعذابِ.