خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨٣
وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ
٨٤
-المائدة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ } عطف على لا يستكبرون أي ذلك بسبب أنهم لا يستكبرون، وأن أعينَهم تفيض من الدمع عند سماع القرآن، وهو بـيانٌ لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم، ومسارعتِهم إلى قبول الحق وعدم إبائهم إياه { تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } أي تمتلىء بالدمع، فاستُعير له الفيضُ الذي هو الانصبابُ عن امتلاءٍ مبالغةً، أو جُعلت أعينُهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفسها { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقّ } (من) الأولى لابتداء الغاية، والثانية لتبـيـين الموصول، أي ابتدأ الفيض ونشأ من معرفة الحق وحصل من أجله وبسببه، ويحتمل أن تكون الثانية تبعيضية، لأن ما عرفوه بعضُ الحق، وحيث أبكاهم ذلك فما ظنك بهم لو عرفوا كله، وقرأوا القرآن، وأحاطوا بالسنة؟ وقرىء (تُرى أعينُهم) على صيغة المبني للمفعول { يَقُولُونَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية حالهم عند سماع القرآن كأنه قيل: ماذا يقولون؟ فقيل: يقولون: { رَبَّنَا ءامَنَّا } بهذا أو بمن أنزل هذا عليه أو بهما، وقيل: حال من الضمير في عرفوا أو من الضمير المجرور في أعينهم، لما أن المضاف جزؤه، كما في قوله تعالى: { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا } [الحجر، الآية 47] { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } أي الذين شهدوا بأنه حق أو بنبوته، أو مع أمته الذين هم شهداءُ على الأمم يوم القيامة، وإنما قالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك.

{ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ ٱلْحَقّ } كلام مستأنَفٌ قالوه تحقيقاً لإيمانهم، وتقريراً له بإنكار سبب انتفائه ونفيِه بالكلية، على أن قوله تعالى: { لاَ نُؤْمِنُ } حال من الضمير في (لنا)، والعامل ما فيه من الاستقرار أيْ أيُّ شيءٍ حصل لنا غيرَ مؤمنين؟ على توجيه الإنكار والنفي إلى السبب والمسبَّب جميعاً، كما في قوله تعالى: { { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } [يس، الآية 22] ونظائرِه لا إلى السبب فقط مع تحقق المسبب كما في قوله تعالى: { { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الانشقاق، الآية 20] وأمثاله فإن همزة الاستفهام كما تكون تارة لإنكار الواقع كما في أتضرِبُ أباك؟ وأخرى لإنكار الوقوع كما في أأضرب أبـي؟ كذلك ما الاستفهامية قد تكون لإنكار سبب الواقع ونفْيِه فقط كما في الآية الثانية، وقوله تعالى: { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [نوح، الآية 13] فيكون مضمون الجملة الحالية محققاً، فإن كلاًّ من عدم الإيمان وعدم الرجاء أمرٌ محققٌ قد أنكروا نفي سببه، وقد يكون الإنكارُ سببَ الوقوعِ ونفيَه، فيسريان إلى المسبب أيضاً كما في الآية الأولى، فيكون مضمون الجملة الحالية مفروضاً قطعاً، فإن عدم العبادة أمر مفروض حتماً، وقوله تعالى: { وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّـٰلِحِينَ } حال أخرى من الضمير المذكور بتقدير مبتدأ، والعامل فيها هو العامل في الأولى مقيداً بها، أي أيُّ شيء حصل لنا غير مؤمنين؟ ونحن نطمع في صحبة الصالحين، أو من الضمير في (لا نؤمن) على معنى أنهم أنكروا على أنفسهم عدم إيمانهم، مع أنهم يطمعون في صحبة المؤمنين، وقيل: معطوف على (نؤمن) على معنى وما لنا نجمع بـين ترك الإيمان وبـين الطمع المذكور؟