{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلَـٰدَهُمْ } جوابُ قسمٍ محذوفٍ وقرىء بالتشديد وهم ربـيعةُ ومضرُ وأضرابُهم من العرب الذين كانوا يئِدون بناتِهم مخافةَ السبْـي والفقر أي خسِروا دينَهم ودنياهم { سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلقٌ بقتلوا على أنه علة له أي لخِفة عقلهم وجهلِهم بأن الله هو الرزاقُ لهم ولأولادهم، أو نُصب على الحال ويؤيده أنه قرىء سفهاءَ، أو مصدر { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } من البحائر والسوائب ونحوهما { ٱفْتِرَاء عَلَى ٱللَّهِ } نُصب على أحد الوجوه المذكورة، وإظهارُ الاسم الجليل في موقع الإضمارِ لإظهار كمالِ عُتوِّهم وطغيانهم { قَدْ ضَلُّواْ } عن الطريق المستقيم { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } إليه وإن هُدوا بفنون الهدايات أو وما كانوا مهتدين من الأصل لسوء سيرتِهم فالجملةُ حينئذ اعتراضٌ، وعلى الأول عطف على ضلوا.
{ وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَ جَنَّـٰتٍ مَّعْرُوشَـٰتٍ } تمهيد لما سيأتي من تفصيل أحوال الأنعامِ أي هو الذي أنشأهن من غير شركة لأحد في ذلك بوجه من الوجوه والمعروشاتُ من الكروم المرفوعاتُ على ما يحملها { وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ } وهن المُلْقَياتُ على وجه الأرض وقيل: المعروشاتُ ما غرسه الناسُ وعرّشوه وغيرُ المعروشات ما نبت في البوادي والجبال { وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ } عطفٌ على جناتٍ أي أنشأهما { مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ } وقرىء أُكْله بسكون الكاف أي ثمرُه الذي يُؤكل في الهيئة والكيفية، والضميرُ إما للنخل والزرعُ داخلٌ في حكمه ـ أو للزرع والباقي مَقيسٌ عليه، أو للجميع على تقدير كلِّ ذلك أو كلِّ واحد منهما ومختلفاً حالٌ مقدرة إذ ليس كذلك وقت الإنشاء { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ } أي أنشأهما وقوله تعالى: { مُتَشَـٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } نُصب على الحالية أي يتشابه بعضُ أفرادِهما في اللون والهيئةِ أو الطعم ولا يتشابه بعضها { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } أي من ثمر كل واحدٍ من ذلك { إِذَا أَثْمَرَ } وإن لم يدرك ولم يـينع بعد وقيل: فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله تعالى { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } أريد به ما كان يُتصدَّق به يوم الحصاد بطريق الواجب من غير تعيـين المقدارِ لا الزكاةُ المقدرةُ فإنها فُرِضت بالمدينة والسورةُ مكية وقيل: الزكاةُ والآيةُ مدنيةٌ والأمر بإيتائها يوم الحصادِ لِيُهتمَّ به حينئذ حتى لا يؤخَّر عن وقت الأداء وليعلم أن الوجوبَ بالإدراك لا بالتصفية، وقرىء يومَ حِصاده بكسر الحاء وهو لغةٌ فيه { وَلاَ تُسْرِفُواْ } أي في التصدق كما رُوي عن ثابت بن قيس أنه صرَم خمسَمائة نخلةٍ ففرَّق ثمرَها كلِّها ولم يُدخل منه شيئاً إلى منزله. كقوله تعالى:
{ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [الإسراء، الآية 29] { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي لا يرتضي إسرافَهم.