خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
٦٥
-الأنفال

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىّ } بعد ما بـين كفايتَه إياهم بالنصر والإمدادِ أُمر عليه الصلاة والسلام بترتيب مبادي نصرِه وإمدادِه وتكريرُ الخطاب على الوجه على المذكور لإظهار كمالِ الاعتناءِ بشأن المأمور به { حَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } أي بالِغْ في حثّهم عليه وترغيبِهم فيه بكل ما أمكن من الأمور المرغّبة التي أعظمُها تذكيرُ وعدِه تعالى بالنصر وحُكمُه بكفايته تعالى أو بكفايتهم وأصلُ التحريضِ الحَرَضُ وهو أن ينهكه المرضُ حتى يُشفيَ على الموت وقال الراغب: كأنه في الأصل إزالةُ الحَرَض وهو ما لا خير فيه ولا يعتد به قلت: فالأوجهُ حينئذ أن يُجعل الحرَضُ عبارةً عن ضعف القلب الذي هو من باب نَهْكِ المرض، وقيل: معنى تحريضِهم تسميتُهم حرضاً بأن يقال: إني أراك في هذا الأمر حَرَضاً أي محرّضاً فيه لتهيـيجه إلى الأقدام وقرىء حرِّص بالصاد المهملة وهو واضح.

{ إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } وعدٌ كريمٌ منه تعالى بتغليب كلِّ جماعةٍ من المؤمنين على عشرة أمثالِهم بطريق الاستئنافِ بعد الأمر بتحريضهم، وقوله تعالى: { وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا } مع انفهام مضمونِه مما قبله لكون كل منهما عدةً بتأيـيد الواحدِ على العشرة لزيادة التقريرِ المفيدةِ لزيادة الاطمئنان على أنه قد يجري بـين الجمعين القليلين ما لا يجري بـين الجمعين الكثيرين مع أن التفاوتَ فيما بـين كلَ من الجمعين القليلين والكثيرين على نسبة واحدة فبـيّن أن ذلك لا يتفاوت في الصورتين وقوله تعالى: { مّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بـيانٌ للألف وهذا القيدُ معتبرٌ في المِائتين أيضاً وقد تُرك ذكرُه تعويلاً على ذكره هٰهنا كما ترك قيدُ الصبر هٰهنا مع كونه معتبراً حتماً ثقةً بذكره هناك { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } متعلق بـيغلبوا أي بسبب أنهم قومُ جَهلةٌ بالله تعالى وباليوم الآخر لا يقاتلون احتساباً وامتثالاً بأمر الله تعالى وإعلاءً لكلمته وابتغاءً لرضوانه كما يفعله المؤمنون وإنما يقاتلون للحمية الجاهليةِ واتّباعِ خطواتِ الشيطانِ وإثارةِ ثائرةِ البغي والعُدوانِ فلا يستحقون إلا القهرَ والخِذلانَ، وأما ما قيل من أن مَنْ لا يؤمن بالله واليوم الآخِر لا يؤمن بالميعاد فالسعادةُ عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيوية فيشِحّ بها ولا يعرِّضها للزوال بمزاولة الحروبِ واقتحامِ مواردِ الخطوب فيميل إلى ما فيه السلامةُ فيفِر فيُغلب، وأما من اعتقد أن لا سعادةَ في هذه الحياة الفانية وإنما السعادةُ هي الحياةُ الباقيةُ فلا يبالي بهذه الحياةِ الدنيا ولا يقيم لها وزناً فيُقدم على الجهاد بقلب قوي وعزمٍ صحيحٍ فيقوم الواحدُ من مثله مقامُ الكثير فكلامٌ حقٌّ لكنه لا يلائم المقام.