خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢١
وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
١٢٢
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً } ولو تمرةً أو علاقةَ سَوْط { وَلاَ كَبِيرَةً } كما أنفق عثمانُ رضى الله عنه والترتيب باعتبار ما ذُكر من كثرة الوقوعِ وقلته وتوسيطُ لا للتنصيص على استبداد كلَ منهما بالكتْب والجزاءِ لا لتأكيد النفي كما في قوله عز وجل: { وَلاَ يَقْطَعُونَ } أي لا يجتازون في مسيرهم { وَادِيًا } وهو في الأصل كلُّ منفرَجٍ من الجبال والآكامِ يكون منفذاً للسيل، اسمُ فاعلٍ من ودَى إذا سال ثم شاع في الأرض على الإطلاق { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } ذلك الذي فعلوه من الإنفاق والقطع { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ } بذلك { أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أحسنَ جزاءِ أعمالِهم أو جزاءَ أحسنِ أعمالِهم.

{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } أي ما صح وما استقام لهم أن ينفِروا جميعاً لنحو غزْوٍ أو طلب علمٍ كما لا يستقيم لهم أن يتثبّطوا جميعاً فإن ذلك مُخِلٌّ بأمر المعاش.

{ فَلَوْلاَ نَفَرَ } فهلا نفَر { مِن كُلّ فِرْقَةٍ } أي طائفة كثيرة { مِنْهُمْ } كأهل بلدةٍ أو قبـيلةٍ عظيمة { طَائِفَةٌ } أي جماعة قليلة { لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ } أي يتكلفوا الفَقاهةَ فيه ويتجشموا مشاقَّ تحصيلِها { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } أي وليجعلوا غايةَ سعيِهم ومرمىٰ غرضِهم من ذلك إرشادَ القومِ وإنذارَهم { إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ } وتخصيصُه بالذكر لأنه أهم، وفيه دليلٌ على أن التفقهَ في الدين من فروض الكفايةِ وأن يكون غرضُ المتعلمِ الاستقامةَ والإقامةَ لا الترفعَ على العباد والتبسّط في التلاد كما هو ديدن أبناء الزمان والله المستعان { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } إرادةَ أن يحذروا عما ينذَرون واستدلوا به على أن أخبارَ الآحادِ حجةٌ لأن عمومَ كلِّ فرقةٍ يقتضي أن ينفِرَ من كل ثلاثةٍ تفردوا بقرية طائفةٌ إلى التفقه لتنذر قرقتَها كي يتذكروا ويحذروا فلو لم يعتبر الإخبارُ ما لم يتواتر لم يُفِدْ ذلك، وقد قيل: للآية وجهٌ آخرُ وهو أن المؤمنين لما سمعوا ما نزل في المتخلفين سارعوا إلى النفير رغبةً ورهبةً وانقطعوا عن التفقه فأُمروا أن ينفِر من كل فرقةٍ طائفةٌ إلى الجهاد ويبقى أعقابُهم يتفقهون حتى لا ينقطع الفقهُ الذي هو الجهادُ الأكبرُ لأن الجدالَ بالحجة هو الأصلُ والمقصودُ من البعثة، فالضميرُ في ليتفقهوا ولينذِروا لبواقي الفِرَق بعد الطوائفِ النافرةِ للغزو، وفي رجعوا للطوائف، أي ولينذر البواقي قومَهم النافرين إذا رجَعوا إليهم بما حصلوا في أيام غَيبتهم من العلوم.