خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ
٢٦
ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٧
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } أي رحمتَه التي تسكُن بها القلوبُ وتطمئنُّ إليها اطمئناناً كلياً مستتبِعاً للنصر القريبِ، وأما مطلقُ السكينةِ فقد كانت حاصلةً له عليه الصلاة والسلام قبل ذلك أيضاً { وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } عطفٌ على رسولِه، وتوسيطُ الجارِّ بـينهما للدِلالة على ما بـينهما من التفاوت أي المؤمنين الذين انهزموا وقيل: على الذين ثبتوا مع النبـي صلى الله عليه وسلم أو على الكل وهو الأنسبُ ولا ضيرَ في تحقيق أصلِ السكينةِ في الثابتين من قبل، والتعرُّضُ لوصف الإيمانِ للإشعار بعلية الإنزال { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } أي بأبصاركم كما يرى بعضُكم بعضاً وهم الملائكةُ عليهم السلام عليهم البـياضُ على خيول بُلْقٍ فنظر النبـيُّ صلى الله عليه وسلم إلى قتال المسلمين فقال هكذا حين حمِيَ الوطيسُ فأخذ كفاً من التراب فرمىٰ به نحو المشركين وقال: "شاهت الوجوه" فلم يبقَ منهم أحدٌ إلا امتلأت به عيناه ثم قال عليه الصلاة والسلام: "انهزَموا وربِّ الكعبة" . واختلفوا في عدد الملائكة يومئذ فقيل: خمسةُ آلافٍ، وقيل: ثمانيةُ آلافٍ، وقيل: ستةَ عشَرَ ألفاً، وفي قتالهم أيضاً فقيل: قاتلوا، وقيل: لم يقاتلوا إلا يومَ بدر وإنما كان نزولُهم لتقوية قلوب المؤمنين بإلقاء الخواطِر الحسنةِ وتأيـيدِهم بذلك وإلقاءِ الرعبِ في قلوب المشركين. قال سعيد بن المسيِّب: حدثني رجل كان في المشركين يوم حُنين قال: لما كشَفْنا المسلمين جعلْنا نسوقُهم فلما انتهينا إلى صاحب البغلةِ الشهباءِ تلقانا رجالٌ بِـيضُ الوجوه فقالوا: شاهت الوجوهُ ارجِعوا فرجَعنا فركِبوا أكتافنا { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالقتل والأسر والسبـي { وَذَلِكَ } أي ما فُعل بهم مما ذكر { جَزَاء ٱلْكَـٰفِرِينَ } لكفرهم في الدنيا { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاء } أن يتوبَ عليه منهم لحكمة تقتضيه أي يوفقه للإسلام { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي { رَّحِيمٌ } يتفضل عليهم ويثيبهم. (روي "أن ناساً منهم جاءوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه على الإسلام وقالوا: يا رسول الله أنت خيرُ الناسِ وأبرُّ الناس وقد سُبـيَ أهلونا وأولادنا وأُخذت أموالُنا. قيل: سُبـيَ يومئذ ستةُ آلافِ نفسٍ وأُخذ من الإبل والغنمِ ما لا يُحصى فقال عليه الصلاة والسلام: إن عندي ما ترون إن خيرَ القولِ أصدقُه، اختاروا إما ذرارِيَكم ونساءَكم وإما أموالَكم قالوا: ما كنا نعدِل بالأحساب شيئاً فقام النبـيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن هؤلاء جاءونا مسلمين وإنا خيَّرناهم بـين الذراري والأموالِ فلم يعدِلوا بالأحساب شيئاً فمن كان بـيده سبْـيٌ وطابت نفسُه أن يرُدَّه فشأنُه، ومن لا فليُعطِنا وليكُنْ قَرْضاً علينا حتى نُصيبَ شيئاً فنعُطِيَه مكانه، قالوا: قد رضِينا وسلّمنا فقال عليه الصلاة والسلام: إنا لا ندري لعل فيكم من لا يرضى فمُروا عُرفاءَكم فليرفعوا ذلك إلينا فرَفَعتْ إليه العرفاءُ أنهم قد رضُوا" .