خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً
٧٤
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
٧٥
قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً
٧٦
فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً
٧٧
قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً
٧٨
أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً
٧٩
وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً
٨٠
فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً
٨١
وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً
٨٢
-الكهف

مقاتل بن سليمان

خرجا من السفينة على بحر إيلة، { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً } سداسياً، { فَقَتَلَهُ } الخضر بحجر أسود، واسم الغلام: حسين بن كازرى، واسم أمه: سهوى، فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره، فـ{ قَالَ } للخضر: { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً }، يعني لا ذنب لها، ولم يجب عليها القتل، { بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } [آية: 74]، يقول أتيت أمراً فظيعاً، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي أعطيته عن نفسك.
{ قَالَ } الخضر لموسى، عليهما السلام، { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [آية: 75]، وإنما قال: { { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ }؛ لأنه كان قد تقدم إليه قبل ذلك بقوله: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }، على ما ترى من العجائب.
{ قَالَ } موسى: { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا }، يعني بعد قتل النفس، { فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } [آية: 76]، يقول: لقد أبلغت في العذر إليَّ.
{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا } الطعام، تسمى القرية: باجروان، ويقال: أنطاكية. قال مقاتل: قال قتادة: هي القرية، { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا }، يعني أن يطعموهما، { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ }، كانوا بلوا الطين، { فَأَقَامَهُ } الخضر جديداً فسواه، { قَالَ } موسى: عمدت إلى قوم لا يطعمونا ولم يضيفونا، فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر، يعني بغير طعام ولا شيء، { لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } [آية: 77]، أي لو شئت أعطيت عليه شيئاً.
{ قَالَ } الخضر: { هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ }، يعني بعاقبة، { مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } [آية: 78]، كقوله سبحانه:
{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } [الأعراف: 53]، يعني عاقبته.
ثم قال الخضر لموسى، عليهما السلام، { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا }، يعني أن أخرقها، { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ }، يعني أمامهم، كقوله سبحانه:
{ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } [الإنسان: 27]، واسم الملك: مبدلة بن جلندي الأزدي، { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ } صالحة صحيحة سوية، { غَصْباً } [آية: 79]، كقوله سبحانه: { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } [الأعراف: 190] يعني سوياً، يعني غصباً من أهلها، يقول: فعلت ذلك؛ لئلا ينتزعها من أهلها ظلماً، وهم لا يضرهم خرقها.
{ وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ }، وكان الغلام كافراً، يقطع الطريق، ويحدث الحديث، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه، ويحلفان بالله ما فعله، وهم يحسبون أنه بريء من الشر، قال الخضر: { فَخَشِينَآ }، يعني فعلمنا، كقوله سبحانه:
{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } [النساء: 128]، يعني علمت، وكقوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } [النساء: 35]، يعني علمتم، { أَن يُرْهِقَهُمَا }، يعني يغشيهما، { طُغْيَاناً }، يعني ظلماً، { وَكُفْراً } [آية: 80]، وفي قراءة أبي بن كعب: فخاف ربك، يعني فعلم ربك.
{ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا }، يعني لأبويه لقتل الغلام، والعرب تسمي الغلام غلاماً، ما لم تسو لحيته، فأردنا أن يبدلهما ربهما، يعني يبدل والديه، { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً }، يعني عملاً، { وَأَقْرَبَ رُحْماً } [آية: 81]، يعني وأحسن منه براً بوالده، وكان في شرف وعده، وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن الله عز وجل أبدلهما غلاماً مكان المقتول، ولو عاش المقتول لهلكا في سببه"
{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ }، يعني في قرية تسمى: باجروان، ويقال: هي أنطاكية، { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا }، حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن مقاتل، عن الضحاك ومجاهد، قال: صحفاً فيها العلم، ويقال: المال، { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً }، يعني ذا أمانة، اسم الأب: كاشح، واسم الأم: دهنا، واسم أحد الغلامين، أصرم، والآخر: صريم، { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا }، والأشد ثمانى عشرة سنة، { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ }، يقول: نعمة من ربك للغلامين، { وَمَا فَعَلْتُهُ }، وما فعلت هذا، { عَنْ أَمْرِي }، ولكن الله أمرني به، { ذَلِكَ تَأْوِيلُ }، يعني عاقبة، { مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } [آية: 82]، يعني هذا عاقبة ما رأيت من العجائب، نظيرها: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [الأعراف: 35]، يعني عاقبة ما ذكر الله تعالى في القرآن من الوعيد.