خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٨٦
-البقرة

مقاتل بن سليمان

ثم قال سبحانه: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }، يقول: لا يكلفها من العمل إلا ما أطاقت، { لَهَا مَا كَسَبَتْ } من الخير وما عملت أو تظلمت به، { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } من الإثم، ثم علم جبريل النبى صلى الله عليه وسلم أن يقول: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا }، يقول: إن جهلنا عن شىء أو أخطأنا، فتركنا أمرك، قال الله عز وجل: ذلك لك، ثم قال: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً }، يعنى عهداً، { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } ما كان حرم عليهم من لحوم الإبل، وشحوم الغنم، ولحوم كل ذى ظفر، يقول: لا تفعل ذلك بأمتى بذنوبها كما فعلته ببنى إسرائيل، فجعلتهم قردة وخنازير، قال الله تعالى: ذلك لك.
ثم قال: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا }، يقول: واعف عنا من ذلك، { وَٱغْفِرْ لَنَا }، يقول: وتجاوز عنا، عن ذنوبنا من ذلك كله واغفر، { وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا }، يقول: أنت ولينا، { فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [آية: 286]، يعنى كفار مكة وغيرها إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: ذلك لك، فاستجاب الله عز وجل له، ذلك فيما سأل وشفعه فى أمته، وتجاوز لها عن الخطايا والنسيان وما استكرهوا عليه، فلما نزلت قرأهن النبى صلى الله عليه وسلم على أمته، وأعطاه الله عز وجل هذه الخصال كلها فى الآخرة، ولم يعطها أحداً من الأمم الخالية.
قال: حدثنا عبيد الله بن ثابت، قال: حدثنى الهذيل، عن مقاتل، قال: بلغنى أن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفى عام، فهو عنده على العرش، فأنزل منه لآيتين ختم بهما سورة البقرة: { آمَنَ ٱلرَّسُولُ... } إلى آخرها، فمن قرأها فى بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ولياليهن.
قال: حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل أبى صالح، عن مقاتل بن سليمان فى قوله:
{ { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } [البقرة: 245]، قال: "فقال أبو الدحداح: يا رسول الله، إن تصدقت بصدقة، أفلى مثلها فى الجنة؟ قال: نعم، قال: والصبية معى؟ قال: نعم، قال: وأم الدحداح معى؟ قال: نعم، قال: وكان له حديقتان، إحداهما تسمى الجنة، والأخرى الجنينة، وكانت الجنينة أفضل من الجنة، قال: يا رسول الله، أشهد بأنى قد تصدقت بها على الفقراء، أو بعتها من الله ورسوله، فمن يقبضها؟ قال: وجاء إلى باب الحديقة، فتحرج أن يدخلها، إذ جعلها لله ورسوله" ، فصاح:

يا أم الدحداح هداك الهادى إلى سبيل القصد والرشاد
بينى من الحائط الذى بالوادى فقد مضى قرضاً إلى التناد
أقرضته الله على اعتماد طوعاً بلا من ولا ارتداد
إلا رجاء الضعف فى الميعاد فودعى الحائط وداع العاد
واستيقنى وفقت للرشاد فارتحلى بالفضل والأولاد
إن التقى والبر خير زاد قدمه المرء إلى المعاد

فأجابته: ربح بيعك، والله لولا شرطك ما كان لك منه إلا مالك، وأنشأت تقول:

مثلك أحيا ما لديه ونصح وأشهر الحق إذا الحق وضح
قد منح الله عيالى ما صلح بالعجوة السوداء والزهر البلح
والله أولى بالذى كان منح مع واجب الحق ومع ما قد سرح
والعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالى وعليه ما اجترح

قال: ثم خرجت وجعلت تنفض ما فى أكمام الصبيان، وتخرج ما فى أفواههم، ثم خرجوا وسلموا الحديقة إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "كم من نخلة لأبى الدحداح مدلا عذوقها فى الجنة، لو اجتمع على عذق منها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه" .