خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٠
أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ
٦١
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٦٢
قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ
٦٣
وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ
٦٤
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ
٦٥
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ
٦٦
فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ
٦٧
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٦٨
وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ
٦٩
وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٧٠
-القصص

مقاتل بن سليمان

{ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ } يقول: وما أعطيتم من خير، يعني به كفار مكة { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا } يقول: تمتعون في أيام حياتكم، فمتاع الحياة الدنيا وزينتها إلى فناء { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من الثواب { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } يعني أفضل وأدوم لأهله مما أعطيتم في الدنيا { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [آية: 60] أن الباقي خير من الفاني الذاهب.
{ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ } يعني أفمن وعده الله عز وجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا { وَعْداً حَسَناً } يعني الجنة { فَهُوَ لاَقِيهِ } فهو معاينه يقول: مصيبة { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بالمال { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } [آية: 61] النار، يعني أبا جهل بن هشام، لعنه الله، ليسا بسواء، نظيرها في الأنعام.
{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } يعني كفار مكة { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [آية: 62] في الدنيا أن معي شريكاً { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } يعني وجب عليهم كلمة العذاب وهم الشياطين، حق عليهم القول يوم قال الله تعالى وذكره، لإبليس:
{ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأعراف: 18]، فقالت الشياطين في الآخرة: { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } يعنون كفار بني آدم، يعني هؤلاء الذين أضللناهم كما ضللنا { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ } منهم يا رب { مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [آية: 63] فتبرأت الشياطين ممن كان يعبدها.
{ وَقِيلَ } لكفار بني آدم { ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } يقول سلوا الآلهة: أهم الآلهة؟ { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } يقول: سألوهم فلم تجبهم الآلهة، نظيرها في الكهف. يقول الله تعالى: { وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } [آية: 64] من الضلالة يقول: لوأنهم كانوا مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة.
{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } يقول: ويوم يسألهم، يعني كفار مكة يسألهم الله عز وجل: { فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } [آية: 65] في التوحيد { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ } يعني الحجج { يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } [آية: 66] يعني لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجج، لأن الله تعالى ادحض حجتهم، وأكل ألسنتهم، فذلك قوله تعالى: { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } { فَأَمَّا مَن تَابَ } من الشرك { وَآمَنَ } يعني وصدق بتوحيد الله عز وجل: { وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ } والعسى من الله عز وجل واجب { أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } [آية: 67].
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } وذلك أن الوليد قال في "حم" الزخرف:
{ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] يعني نفسه، وأبا مسعود الثقفي، فذلك قوله سبحانه: { وَيَخْتَار } أي للرسالة والنبوة من يشاء، فشاء جل جلاله، لأن يجعلها في النبي صلى الله عليه وسلم، وليست النبوة والرسالة بأيديهم، ولكنها بيد الله عز وجل، ثم قال سبحانه: { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } من أمرهم، ثم نزه نفسه تبارك وتعالى عن قول الوليد حين قال: { أَجَعَلَ } محمد صلى الله عليه وسلم { ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ص: 5]، فكفر بتوحيد الله عز وجل، فأنزل الله سبحانه ينزه نفسه عز وجل عن شركهم، فقال: { سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ } يعني وارتفع { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [آية: 68] به غيره عز وجل.
ثم قال عز وجل: { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } يعني ما تسر قلوبهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } [آية: 69] بألسنتهم، نظيرها في النمل، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى حين لم يوحده كفار مكة، الوليد وأصحابه.
فقال سبحانه: { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } يعني يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة، يعني أهل الجنة { وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [آية: 70] بعد الموت في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.