{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً }، يعنى من بعد غم الهزيمة أمنة نعاساً، وذلك أن الله عز وجل ألقى على بعضهم النعاس فذهب غمهم، فذلك قوله عز وجل: { يَغْشَىٰ } النعاس { طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } نزلت فى سبعة نفر، فى: أبى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، والحارث بن الصمة، وسهل بن ضيف، ورجلين من الأنصار، رضى الله عنهم، ثم قال سبحانه: { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ }، يعنى الذين لم يلق عليهم النعاس، { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } كذباً يقول المؤمنون: إن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل، { ظَنَّ ٱلْجَاهِلِيَّةِ }، يقول: كظن جهال المشركين أبو سفيان وأصحابه، وذلك أنهم قالوا: إن محمداً قد قتل، { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ }، هذا قول متعب بن قشير، يعنى بالأمر النصر، يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ }، يعنى النصر { كُلَّهُ للَّهِ }.
ثم قال سبحانه: { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا }، يقول: يسرون فى قلوبهم ما لا يظهرون لك بألسنتهم، والذى أخفوا فى أنفسهم أنهم قالوا: لو كنا فى بيوتنا ما قتلنا ها هنا، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُل } لهم يا محمد: { لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ } كما تقولون لخرج من البيوت { ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ }، فمن كتب عليه القتل لا يموت أبداً، ومن كتب عليه الموت لا يقتل أبداً، { وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [آية: 154]، يقول الله عليم بما فى القلوب من الإيمان والنفاق، والذين أخفوا فى أنفسهم قولهم: إن محمداً قد قتل، وقولهم: لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا ها هنا، يعنى هذا المكان، فهذا الذى قال الله سبحانه لهم: { قُلْ } لهم يا محمد: { لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ } كما تقولون { لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ }.