خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٠٧
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ
١٠٨
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠٩
لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١١٠
-التوبة

مقاتل بن سليمان

ثم قال: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً }، يعني مسجد المنافقين، { وَكُفْراً } في قلوبهم، يعني النفاق، { وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }، نزلت في اثني عشر رجلاً من المنافقين، وهم من الأنصار كلهم، من بني عمرو بن عوف، منهم: حرج بن خشف، وحارثة بن عمرو، وابنه زيد بن حارثة، ونفيل بن الحرث، ووديعة بن ثابت، وحزام بن خالد، ومجمع بن حارثة، قالوا: نبنى مسجداً نتحدث فيه ونخلو فيه، فإذا رجع أبو عامر الراهب اليهودي من الشام أبو حنظلة غسيل الملائكة، قلنا له: بنيناه لتكون إمامنا فيه.
فذلك قوله: { وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ }، يعني أبا عامر الذي كان يسمى الراهب؛ لأنه كان يتعبد ويلتمس العلم، فمات كافراً بقنسرين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يبعد علينا المشي إلى الصلاة، فأذن لنا في بناء مسجد، فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: من يؤمهم؟ قال: "رجل منهم"، فأمر مجمع بن حارثة أن يؤمهم، فنزلت هذه الآية، وحلف مجمع: ما أردنا ببناء المسجد إلا الخير، فأنزل الله عز وجل في مجمع: { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [آية: 107] فيما يحلفون.
{ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً }، يعني في مسجد المنافقين إلى الصلاة أبداً، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي فيه، ولا يمر عليه، ويأخذ غير ذلك الطريق، وكان قبل ذلك يصلي فيه، ثم قال: { لَّمَسْجِدٌ }، يعني مسجد قباء، وهو أول مسجد بني بالمدينة، { أُسِّسَ }، يعني بني، { عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ }، يعني أول مرة، { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } إلى الصلاة؛ لأنه كان بني من قبل مسجد المنافقين، ثم قال: { فِيهِ رِجَالٌ }، يعني في مسجد قباء، { يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ }، من الأحداث والجنابة، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } [آية: 108]، نزلت في الأنصار.
فلما نزلت هذه الآية،
" انطلق النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام على باب مسجد قباء، وفيه المهاجرون والأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المسجد: أمؤمنون أنتم؟، فسكتوا فلم يجيبوه، ثم قال ثانية: أمؤمنون أنتم؟ قال عمر بن الخطاب: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتؤمنون بالقضاء؟، قال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتصبرون على البلاء؟، قال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشكرون على الرخاء؟، فقال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:أنتم مؤمنون ورب الكعبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: إن الله عز وجل قد أثنى عليكم في أمر الطهور، فماذا تصنعون؟، قالوا: نمر الماء على أثر البول والغائط، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِين }" ، ثم إن مجمع بن حارثة حسن إسلامه، فبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة يعلمهم القرآن، وهو علم عبد الله بن مسعود، لقنه القرآن.
{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ }، يعني مسجد قباء، { عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ }، يقول: مما يراد فيه من الخير ورضى الرب، { خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } أصل بنيانه { عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ }، يعني على حرف ليس له أصل، { هَارٍ }، يعني وقع، { فَٱنْهَارَ بِهِ } فجر به القواعد، { فِي نَارِ جَهَنَّمَ }، يقول: صار البناء إلى نار جهنم، { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 109].
فلما فرغ القوم من بناء المسجد استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في القيام في ذلك المسجد، وجاء أهل مسجد قباء، فقالوا: يا رسول الله، إنا نحب أن نأتي مسجدنا فتصلي فيه حتى نقتدي بصلاتك، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وهو يريد مسجد قباء، فبلغ ذلك المنافقون، فخرجوا يتلقونه، فلما بلغ المنتصف، نزل جبريل بهذه الآية، { أَفَمَنَ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ }، يعني أهل مسجد قباء: { أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ }، فلما قالها جرف نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، حتى تهور في السابعة، فكاد يغشى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأسرع الرجوع إلى موضعه، وجاء المنافقون يعتذرون بعد ذلك، فقبل علانيتهم، ووكل سر أثرهم إلى الله عز وجل.
فقال الله: { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ }، يعني حسرة وحزازة في قلوبهم؛ لأنهم ندموا على بنائه، { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ }، يعني حتى الممات، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [آية: 110]، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر، ووحشي مولى المطعم بن عدي، فحزفاه فخسف به في نار جهنم، وأمر أن يتخذ كناسة ويلقى فيه الجيف، وكان مسجد قباء في بني سالم، وبني بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام.