خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٧
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ
١٨
ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
١٩
أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ
٢٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢١
لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ
٢٢
-هود

الكشف والبيان

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } بيان وحجة { مِّن رَّبِّهِ } وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } يتبعه من يشهد له ويصدقه.
واختلفوا في هذا الشاهد فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد والضحاك وأبو صالح وأبو العالية وعكرمة: هو جبريل (عليه السلام)، وقال الحسن (رضي الله عنه): هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقال الحسن وقتادة: هو لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقال محمد بن الحنفية: قلت لأبي أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } قال: وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقال بعضهم: الشاهد صورة النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخائله، لأنّ كل من كان له عقل ونظر إليه علم أنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن في نظمه وإعجازه والمعاني الكثيرة منه في اللفظ القليل. وروى ابن جريج وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو ملك يحفظه ويسدّده. وقيل: هو علي بن أبي طالب.
أخبرني عبد الله الأنصاري عن القاضي أبو الحسين النصيري، أبو بكر السبيعي،علي بن محمد الدهان والحسن بن إبراهيم الجصاص، قال الحسين بن حكيم، الحسين بن الحسن عن حنان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } علي خاصة (رضي الله عنه).
وبه عن السبيعي عن علي بن إبراهيم بن محمد [العلوي]، عن الحسين بن الحكيم، عن إسماعيل بن صبيح، عن أبي الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت علياً يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو ثنيت لي وسادة فأُجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ وأنا أعرف به يساق إلى جنة أو يقاد إلى نار. فقام رجل فقال: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه.
وبه عن [السبيعي]، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثني الحسن بن علي بن برقع وعمر بن حفص الفراء، حدثنا صباح القرامولي، عن محارب عن جابر بن عبد الله [الأنصاري]، قال علي (رضي الله عنه): ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان، فقال له رجل: فأنت أي شيء نزل فيك؟ قال علي (رضي الله عنه): أما تقرأ الآية التي في هود، { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ }.
وفي الكلام محذوف تقديره: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن هو في الضلالة [متردّد]، ثم قال: { وَمِن قَبْلِهِ } يعني ومن قبل محمد والقرآن كان { كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ } أي بني إسرائيل { يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ } أي بمحمد وقيل بالقرآن، وقيل بالتوراة { مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ }.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يستمع لي يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار" .
قال أبو موسى فقلت في نفسي: إن النبي لا يقول مثل هذا القول إلاّ من الفرقان فوجدت الله يقول: { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُه }.
{ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } أي في شكّ { مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } زعم أن لله ولداً أو شريكاً أو كذب بآيات القرآن { أُوْلَـٰئِكَ } يعني الكاذبين، { يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } فيسألهم عن أعمالهم ويجزيهم بها.
{ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ } يعني الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا، في قول مجاهد والأعمش، وقال الضحاك: يعني الأنبياء والرسل، وقال قتادة: يعني الخلائق.
وروى صفوان بن محرز المازني قال: بينا نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر إذ عرض له رجل فقال: يا بن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم [يقول]:
"يدنو المؤمن من ربّه حتى يضع كتفيه عليه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل [تعرف ما فعلت؟ يقول: [رب أعرف مرّتين، حتى إذا بلغ ما شاء الله أن يبلغ فقال: وإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وقال [ثمّ يعطى صحيفة حسناته، أو كتابه بيمينه قال]: وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الأشهاد" .
{ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ * ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } قال ابن عباس: سابقين.
مقاتل بن حيان: قانتين، قتادة: [هراباً] { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } أنصار تُغني [عنهم] { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } يعني يزيد في عذابهم.
{ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ } اختلف في تأويله: قال قتادة [....]: { وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } الهدى، وقوله:
{ { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [الشعراء: 212] قال ابن عباس: إن الله تعالى إنّما حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا،وأما في الدنيا فإنه قال { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } فإنه قال: فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم، وقال بعضهم: إنما عنى بذلك الأصنام.
{ أُوْلَـٰئِكَ } وآلهتهم { لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ } ولا يسمعونه { وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } [......] فلا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما يقول: لا يجزينك ما عملت وبما عملت.
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ } أي [.....]، قال الفرّاء: معناها لابدّ ولا محالة { أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } يعني من غيرهم، وإنْ كان الكل في الخسار.