خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ
٥١
إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ
٥٢
قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ
٥٣
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ
٥٤
قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ
٥٥
قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ
٥٦
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٧
قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ
٥٨
إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ
٥٩
إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٦٠
فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ
٦١
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ
٦٢
قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ
٦٣
وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٦٤
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ
٦٥
وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ
٦٦
وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ
٦٧
قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ
٦٨
وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ
٦٩
قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٧٠
قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
٧١
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
٧٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ
٧٣
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ
٧٤
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
٧٥
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ
٧٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
٧٧
وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ
٧٨
فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ
٧٩
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ
٨٠
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ
٨١
وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ
٨٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ
٨٣
فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٤
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ
٨٥
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ
٨٦
-الحجر

الكشف والبيان

{ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } يعني الملائكة الذين أرسلهم الله ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ } جمع الخبر لأن الضيف اسم يصلح للواحد والإثنين والجمع والمؤنث والمذكر { فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ } إبراهيم { إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } [خائفون] { قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ } لا تخف { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } يعني إسحاق، فعجب إبراهيم من كبره وكبر إمراته { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ } أي على الكبر { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } فأي شيء تبشرون.
واختلف القراء في هذا القول، فقرأ أهل المدينة والشام بكسر النون والتشديد على معنى تبشرونني، فأدغمت نون الجمع في نون الإضافة.
وقرأ بعضهم: بالتخفيف على الخفض.
وقرأ الباقون: في النون من غير إضافة.
{ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ }.
قرأه العامّة: بالألف.
وقرأ يحيى بن وثاب: القانطين.
{ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ }.
قرأ الأعمش وأبو عمرو والكسائي بكسر النون، وقرأ الباقون: بفتحه [وقال الزجاج]: قنط يقنط، وقنط يقنط إذا يئس من رحمة الله.
{ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ * قَالَ } لهم إبراهيم { فَمَا خَطْبُكُمْ } شأنكم وأمركم { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } { قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } مشركين { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } أتباعه وأهل دينه { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ }.
قرأ أهل الحجاز وعاصم وأبو عمرو: [لمنجّوهم] بالتشديد، وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم، وخففه الآخرون.
{ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } سوى إمرأة لوط { قَدَّرْنَآ } قضينا { إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ } الباقين في العذاب، وخفف إبن كثير قدرنا.
قال أبو عبيد: استثنى آل لوط من القوم المجرمين، ثمّ إستثنى إمراته من آل لوط فرجعت إمرأته في التأويل إلى القوم المجرمين، لأنه استثناء مردود على استثناء، وهذا كما تقول في الكلام: لي عليك عشرة دراهم إلاّ أربعة إلاّ درهماً، فلك عليه سبعة دراهم؛ لأنك لما قلّت: إلاّ أربعة، كان لك عليه ستة، فلما قلت: إلاّ درهماً كان هذا استثناء من الأربعة فعاد إلى الستة فصار سابعاً.
{ فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } لوط لهم { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } يعني لا أعرفكم { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } يعني يشكّون إنه ينزل بهم وهو العذاب { وَأَتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } وجئناك باليقين، وقيل: بالعذاب { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } في قولنا { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُم } أي كن ورائهم وسر خلفهم { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ }.
قال ابن عبّاس: يعني الشام. وقال خليل: يعني مصدر.
{ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } يعني وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، وأخبرناه { أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ }.
يدل عليه قراءة عبد الله: وقلنا له إن دابر هؤلاء، يعني أصلهم، { مَقْطُوعٌ } مستأصل { مُّصْبِحِينَ } في وقت الصبح إذ دخلوا فيه { وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ } يعني سدوم { يَسْتَبْشِرُونَ } بأضياف لوط طمعاً منهم في ركوب الفاحشة { قَالَ } لوط لقومه { إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي } وحق على الرجل بإكرام ضيفه { فَلاَ تَفْضَحُونِ } فيهم { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } فلا تهينون ولا تخجلون، يجوز أن يكون من الخزي، ويحتمل أن يكون الخزاية { قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } أولم ننهك أن تضيّف أحداً من العالمين.
{ قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي } أزوجهّن إياكم إن أسلمتم فأتوا النساء الحلال ودعوا ماحرم الله عليكم من إتيان الرجال { إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } ما أمركم به.
قال قتادة: أراد أن يقي أضيافه ببناته، وقيل: رأى أنهم سادة إليهم يؤول أمرهم فأراد أن يزوجهم بناته ليمنعوا قومهم من التعرّض لأضيافه، وقيل: أراد بنات أمته لأن النبي [أب] لامته، قال الله { لَعَمْرُكَ } يا محمّد يعني وحياتك.
وفيه لغتان: وعمرُ وعمرَ.
يقول العرب: عَمرك وعمرك.
{ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ } ضلالتهم وحيرتهم { يَعْمَهُونَ } يترددون.
قاله مجاهد، وقال قتادة: يلعبون.
ابن عبّاس: يتمادون.
أبو الجوزاء عن ابن عبّاس قال: فالخلق لله عزّ وجلّ ولا برأ ولا ذرأ نفساً أكرم عليه من محمّد، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلاّ حياته قال: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }.
{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } حيت أشرقت الشمس، أي أضاءت، وهو نصب على الحال { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قال ابن عبّاس والضحاك: للناظرين.
مجاهد: للمتفرسين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثمّ قرأ هذه الآية.
وقال الشاعر:

توسمته لما رأيت مهابةعليه وقلت المرء من آل هاشم

وقال آخر:

أو كلما وردت عكاظ قبيلةبعثوا إليّ عريفهم يتوسّم

وقال قتادة: للمعتبرين.
{ وَإِنَّهَا } يعني قرى قوم لوط { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } بطريق واضح.
قاله قتادة، ومجاهد، والفراء، والضحاك: بطريق معلّم ليس بخفي ولا زائغ.
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } وقد كان أصحاب الغيضة لكافرين، وهم قوم شعيب كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر متناوش متكاوش ملتف وكانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة وفي الشتاء اليابسة وكان عامة شجرهم الدوم وهو المُقل { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } بالعذاب، وذلك أن الله سلّط عليهم الحرّ سبعة أيام لايمنعهم منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة فالتجأوا إلى ظلّها يلتمسون روحها فبعث الله عليهم منها ناراً فأحرقتهم فذلك قوله:
{ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } [الشعراء: 189] { وَإِنَّهُمَا } يعني مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } طريق مستبين، وسمّي الطريق إماماً لأنه يؤتم به.
{ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ } أي الوادي، وهو مدينة ثمود وقوم صالح وهي فيما بين المدينة والشام { ٱلْمُرْسَلِينَ } أراد صالحاً وحده.
"عبدالله بن عمر وجابر بن عبد الله قالا: مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلاّ أن تكونوا باكين حذراً بأن يصيبكم مثل ما أصابهم ثمّ قال: هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلاّ رجلاً في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله قيل: من هو يارسول الله؟ قال: أبو رغال ثمّ زجر صلى الله عليه وسلم فأسرع حتّى خلفها" .
{ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا } يعني الناقة وولدها و[السير] { فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } من الخراب ووقوع الجبل عليهم { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } يعني صيحة العذاب والهلاك { مُصْبِحِينَ } في وقت الصبح وهو نصب على الحال { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الشرك والأعمال الخبيثة. { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } وإن القيامة لجائية { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } فأعرض عنهم واعف عفواً حسناً، نسختها آية القتال.
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }.