{هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ} أي من ذلك الماء {شَرَابٌ} يشربونه {وَمِنْهُ شَجَرٌ} شراب أشجاركم حياة غروسكم ونباتكم {فِيهِ}، في الشجرة وهو اسم [عام]، وإنما ذكَر الكناية، لأنه ردّه إلى لفظ الشجر.
{تُسِيمُونَ} ترعون، وننسيكم يقال: أسام فلان إبله يسيمها إسامة، إذا رعاها، فهو مسيم وسامت هي تسوم فهي سائمة.
قال الشاعر:
ومشى القوم بالعماد إلىالمرعى وأعيا المسيم اين المساق
يعني يدخلون العماد تحت بطون الزرعى [....].
قال الشاعر:
أولى لك ابن مسيمة الأجمال
أي يابن راعية الإبل.
{يُنبِتُ لَكُمْ} . قرأه العامّة بالياء يعني: ينبت لكم. وقرأ عاصم برواية المفضل وحماد ويحيى بالنون، والأوّل الاختيار.
{بِهِ} بالماء الذي أنزل {ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} قرأه العامّة بالنصب نسقاً على ماقبله.
وروى حفص عن عاصم، {وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ}: بالرفع على الخبر والإبتداء، وقرأ ابن عامر {وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} كلها بالرفع على الإبتداء والخبر.
{بِأَمْرِهِ} بأذنه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ} يعني وسخّر ما ذرأ {لَكُمُ} أي خلق لأجلكم من الدواب والأشجار والثمار وغيرها {فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} نصب على الحال.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}.
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} يعني السمك {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً} يعني اللؤلؤ والمرجان.
روى حماد بن يحيى عن إسماعيل بن عبد الملك قال: جاء رجل إلى ابن جعفر قال: في حليّ النساء صدقة؟ قال: لا، هي كما قال الله: {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.
{تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ}.
قال ابن عبّاس: جواري.
سعيد بن جبير: معترضة. قتادة ومقاتل: [تذهب وتجي] مقبلة ومدبرة بريح واحدة.
الحسن: مواقر.
عكرمة والفراء والأخفش: شقاق يشق الماء بجناحيها.
مجاهد: يمخر السفن الرياح ولا يمخر الريح من السفن إلاّ الملك العظيم.
أبو عبيدة: سوابح.
وأصل المخرّ الدفع والشق، ومنه مخر الأرض، ويقال: امتخرت الريح وتمخّرتها، إذا نظرت من أين مبعوثها، وفي الحديث: "إذا أراد أحدكم البول فليمتخر الريح" أي لينظر من أين مخرها وهبوبها فيستدبرها حتّى لا يرد عليه البول.
{وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} يعني التجارة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} يعني لئلاّ تميد بكم، أي تتحرك وتميل، والميل: هو الاضطراب والتكفّؤ، ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر: ميد.
قال وهب: لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتمور، فقالت الملائكة: إن هذه غير مقرّة أحداً على ظهرها، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ولم تدر الملائكة ممّ خلقت الجبال.
وقال علي (رضي الله عنه): لما خلق الله الأرض رفضت وقالت: أي رب أتجعل عليَّ بني آدم يعملون عليَّ الخطيئة ويلقون عليّ الخبث، فأرسى الله فيها من الجبال ماترون ومالا ترون.
{وَأَنْهَاراً} يعني وجعل فيها أنهاراً {وَسُبُلاً} طرقاً مختلفة {لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} {وَعَلامَاتٍ} فلا تضلون ولا تتحيرون، يعني معالم الطرق.
وقال بعضهم: هاهنا تم الكلام ثمّ ابتدأ.
{وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.
قال محمّد بن كعب القرظي والكلبي: أراد بالعلامات الجبال،
فالجبال علامات النهار والنجوم علامات الليل.
وقال مجاهد وإبراهيم: أراد بهما جميعاً النجوم، فمنها ما يكون علامات ومنها ما يهتدون به.
قال السدي: يعني بالثريا وبنات نعش والفرقدين والجدي فيهتدون إلى الطرق والقبلة.
قتادة: إنما خلق الله النجوم لثلاث أشياء: لتكون زينة للسماء،
وعلامات للطريق ورجوماً للشياطين. فمن قال غير هذا فقد قال برأيه وتكلّف ما لا علم به.
{أَفَمَن يَخْلُقُ} يعني الله تعالى {كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} يعني الأصنام {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} نظيرها قوله تعالى: { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } [لقمان: 11] وقوله عزّ وجلّ: { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } [فاطر: 40].
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ} لما كان منكم من تقصير شكر نعمه {رَّحِيمٌ} بكم حيث وسّع عليكم نعمه ولم يقطعها منكم بتقصيركم ومعاصيكم. {وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}.