خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً
١٠١
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً
١٠٢
فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً
١٠٣
وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً
١٠٤
وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً
١٠٥
وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً
١٠٦
قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً
١٠٧
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً
١٠٨
وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً
١٠٩
قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١١٠
وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
١١١
-الإسراء

الكشف والبيان

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } قال ابن عبّاس والضحاك: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلها وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
وقال: عكرمة: مطر، الوراق وقتادة ومجاهد والشعبي وعطاء: هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد والسنون ونقص من الثمرات.
وعن محمّد بن كعب القرظي قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن الآيات التسع، فقلت: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات وعصا موسى ويده والطمس والبحر.
فقال عمر: وأنا أعرف إن الطمس إحداهن.
قال محمّد بن كعب: إن رجل منهم كان مع أهله في فراشه وقد صار حجرين، وإن المرأة منهم لقائمة تختبز وقد صارت حجراً، وإن المرأة منهم لفي الحمام وإنها تصير حجراً.
فقال عمر: كيف يكون الفقه إلاّ هكذا ثمّ دعا بخريطة فيها أشياء مما كانت اُصيبت لعبد العزيز بن مروان بمصر حين كان عليها من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة [قطعاً] وإنها لحجر وأخرج الجوزة مشقوقة وإنها لحجر وإخرج أشباه ذلك من الفواكة وإنها لحجارة، وأخرج دراهم ودنانير وفلوساً وإنها لحجارة. فعلى هذا القول يكون الآيات بمعنى الدلالات والمعجزات.
وقال بعضهم: هي بمعنى آيات الكتاب.
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن غسان المرادي:
"إن يهودياً قال لصاحبه: تعالَ حتّى نسأل هذا النبي، فقال الآخر: لا تقل نبي لأنه لو سمع صارت له أربعة أعين فأتياه فسألاه عن هذه الآية { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }.
فقال صلى الله عليه وسلم لا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تسحروا ولا تمشوا بالبرىء إلى سلطان ليقتله ولا تسرقوا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا يوم الزحف، وعليكم خاصة في اليهود أن لا يتعدوا في السبت.
فقبّلوا يده (ورجله) وقالوا: نشهد أنّك نبي، قال: فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالوا: إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنَّا نخاف إن اتبعناك تقتلنا اليهود"
.
{ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ } موسى (عليه السلام)، وهو قراءة العامة، وروى حنظلة السِّدوسي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنّه قرأ { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ } على الخبر وقال: سأل موسى فرعون أن يخلِّي سبيل بني إسرائيل ويرسلهم معه.
فقال له فرعون: { إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } أي قد سحروك، قاله الكلبي، وقال ابن عباس: مخدوعاً، وقال محمد بن جرير: يعطي علم السحر فهذه العجائب التي يفعلها من سحرك، وقال الفرّاء وأبو عبيد: ساحراً فوضع المفعول موضع الفاعل، كما يقال: هو مشؤوم وميمون أي شائم ويامن، وقيل: معناه: وإنّي لأعلمك يا موسى بشراً ذا سحر، أي له رئة.
قال موسى: { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ } قراءة العامة بفتح التاء خطاباً لفرعون، وقرأ الكسائي بضم التاء وهي قراءة علي.
روى شعبة عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قرأها: لقد علمتُ برفع التاء وقال: والله ما علم عدواً لله ولكن موسى هو الذي علم، قال: فبلّغت ابن عباس فقال: إنها لقد علمتُ تصديقاً لقوله:
{ { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } [النمل: 14].
قال أبو عبيد: والمأخوذ عندنا نصب التاء، وهو أصح من المعنى الذي احتجِّ به ابن عباس، ولأن موسى (عليه السلام) لا يحتج بأن يقول علمت أنا وهو الرسول الداعي، ولو كان مع هذا كلِّه تصح تلك القراءة [عن علي] لكانت حجة، ولكنها ليست تثبت عنه إنما هي عن رجل مجهول، ولا نعلم أحداً من القرّاء تمسك بها غير الكسائي، والرجل المرادي الذي روى عنه أبو إسحاق هو كلثوم المرادي.
{ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ } الآيات التسع { إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } جمع بصيرة { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } قال ابن عباس: يعني ملعوناً، مجاهد: هالكاً، قتادة: مهلكاً.
وروى عيسى بن موسى عن عطية العوفي في قوله: { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } قال: مُبدّلا، ابن زيد: مخبولا، لا عقل لك، مقاتل: مغلوباً، ابن كيسان: بعيداً عن الخيرات، وروى سفيان بن حصين عن الحسن في قوله: { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } قال [سلاحاً] في القطيفة.
قال مجاهد: دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له فألقى موسى عصاه فرأى فرعون جانبي البيت بين [فقميها]، ففزع فرعون وأحدث في قطيفته.
وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: كنت قائماً على رأس المأمون وهو يناظر رجلا فسمعته يقول: يا مثبور، ثم أقبل عليَّ فقال: يا إبراهيم ما معنى: يا مثبور؟ قلت: لا أدري، فقال: حدّثني الرشيد قال: حدّثني أمير المؤمنين المنصور فسمعته يقول لرجل يا مثبور، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما معنى مثبور؟ قال: قال ميمون بن مهران قال ابن عباس في قوله: { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } قال: ناقص العقل، قال الفرّاء: يعني مصروفاً ممنوعاً من الخير، والعرب تقول: ما ثبرك عن هذا الحق؟ أي ما منعك عنه وصرفك، وثبره الله يثبره ومثبره وهو لغتان، وقال ابن الزهري: الغليظ الأرب إذا بارى الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبور.
{ فَأَرَادًَ } فرعون { أَن يَسْتَفِزَّهُم } يعني يخرجهم، أي بني إسرائيل { مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي أرض مصر والشام.
{ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعا } ونجّينا موسى وقومه { وَقُلْنَا } { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد هلاك فرعون وقومه { لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } يعني مصر والشام { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } وهي الساعة { جِئْنَا بِكُمْ } من قبوركم الى موقف القيامة { لَفِيفاً } مختلطين وقد التفَّ بعضكم ببعض لا تتعارفون ولا ينحاز [أحدكم] إلى قبيلته وحيّه، وهو من قول الجيوش إذا اختلطوا، وكل شيء اختلط بشيء تعطّف به والتفّ.
وقال مجاهد والضحاك: [لفيفاً] أي جميعاً، ووحّد اللفيف وهو خبر عن الجمع لأنه بمعنى المصدر كقول القائل: لففته لفاً ولفيفاً.
وقال الكلبي { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } يعني مجيء عيسى ابن مريم من السماء جئنا بكم لفيفاً وقال البزّار: من ههنا وههنا، يقول: جميعاً.
وهذه القصة تعزية لنبيّنا صلى الله عليه وسلم وتقوية لقلبه، يقول الله تعالى:
{ { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } [طه: 2] فكذبك كفار قومك من مكة كذلك آتيت موسى التوراة فكذبه فرعون وقومه، وكما أراد أهل مكة أن يستفزّوك منها، كذلك أراد فرعون أن يستفزّ موسى وبني إسرائيل من مصر، فأنجيناهم منهم وأظفرتهم عليهم، وكذلك أظفرتك على أعدائك، وأتمّ نعمتي عليك وعلى من اتّبعك نصرةً للدين ولو كره الكافرون، فأنجز الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وله الحمد والمنّة.
{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } يعني القرآن { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ } يا محمد { إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } أي وأنزلناه قرآناً ففصّلناه.
قرأ ابن عباس: فرّقناه بالتشديد وقال: لأنه لم ينزل مرة واحدة وانما أنزل [نجوماً] في عشرين سنة، وتصديقه قراءة أُبي بن كعب وقرآناً فرّقناه عليك، وقرأ الباقون بالتخفيف كقوله
{ { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 4].
قال ابن عباس فصّلناه، قال الحسن: فرّق الله به بين الحق والباطل، وقرأ الآخرون: بيّناه.
{ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } أي تؤدة ومهل في ثلاث وعشرين سنة { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً * قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ } أمر وعد وتهديد { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ } أي من قبل نزول القرآن وخروج محمد صلى الله عليه وسلم وهم مؤمنو أهل الكتاب { إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } يعني القرآن { يَخِرُّونَ } يسقطون { لِلأَذْقَانِ } على الأذقان وهي جمع الذقن وهو مجتمع اللحيين، قال ابن عباس أراد الوجوه { سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } قال مجاهد: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
{ { خَرُّواْ سُجَّداً } [السجدة: 15] ان كان أي وقد كان وعد ربنا لمفعولا { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ } نزول القرآن { خُشُوعاً } وخضوعاً وتواضعاً لربّهم.
قال عبد الأعلى التيمي: من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أنْ لا يكون أوتي علماً ينفعه، وتلا هذه الآية، نظيرها قوله:
{ { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } [مريم: 58].
{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } الآية، قال ابن عباس: تهجّد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده: يا الله يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعوا إلهين اثنين الله والرحمن، والله ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله عزَّ وجلَّ هذه الآية.
قال ميمون بن مهران: كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية:
{ { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [النمل: 30] فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الضحاك: قال أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنّك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فأنزل الله تعالى: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } الآية.
{ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ } من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [.......] مجازه: أيّاً تدعوا، كقوله:
{ { عَمَّا قَلِيلٍ } [المؤمنون: 40] و { { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } [ص: 11].
{ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فاذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن تلا به كما حكاه القرآن:
{ { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَواْ فِيهِ } [فصلت: 26] ربما صفّروا ليغلّطوا النبي صلى الله عليه وسلم ويخلطوا عليه قراءته فأنزل الله تعالى { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } أي في الصلاة فيسمع المشركون فيؤذوك، ولا تخافت بها فلا يسمع أصحابك حتى يأخذوا عنك.
وقال سعيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام، فقالت قريش: لا تجهر بالقراءة فتؤذي آلهتنا فنهجو ربك، وقال مقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي في دار أبي سفيان بن حرب عند الصفا، يجهر بقرائته فمرَّ به أبو جهل فقال: لا تفتر على الله، فجعل يخفت صوته، فقال أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة، رددته عن قراءته فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى [علقمة] عن ابن سيرين في هذه الآية قال: كان أبو بكر (رضي الله عنه) يخافت بالقراءة في الصلاة ويقول: أناجي ربي، وقد علم بحاجتي، وكان عمر بن الخطاب يرفع صوته ويقول: أزجر الشيطان وأوقظ المنان، فأمر أبو بكر حين نزلت هذه الآية أن يرفع صوته شيئاً، وأمر عمر أن يخفض شيئاً.
وقالت عائشة رضي (رضي الله عنه): نزلت هذه الآية في التشهد، كان الأعرابي يجهر فيقول: التحيات لله والصلوات ويرفع بها صوته، فنزلت هذه الآية، وقال الحسن: (لا تراءِ) بصلاتك في العلانية ولا [تُسئها] في السر.
الوالبي عن ابن عباس: لا تصلِّ مرائياً الناس، ولا تدعها مخافة الناس، ابن زيد: كان أهل الكتاب يخافتون في الصلاة، لم يجهر أحدهم بالحرف فيصيح ويصيح من وراءه، فنهاه الله أن يصيح كما يصيحون، وخافت كما يخافتون، والسبيل الذي بين ذلك الذي بيّن له جبرئيل في الصلاة.
وقال: علي والنخعي ومجاهد وابن مكحول: هي في الدعاء، [وبه قال أشعث عن] عطية عن ابن عباس، وقال عبد الله بن شدّاد:
"كان أعراب من بني تميم إذا سلّم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهم ارزقنا، فقال لهم: أتجهرون؟ فأنزل الله هذه الآية" .
ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن دراج أبي السمح أن شيخاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثه "أن رسول الله قال في هذه الآية: إنما أُنزلت في الدعاء، يقول: لا ترفع صوتك في الدعاء عند استغفارك واذكر ذنوبك فيسمع منك فتعبِّر بها وتخافت في الصوت والسكون" ، ومنه يقال للميّت إذا برد خفت.
{ وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي بين الجهر والإخفات { سَبِيلاً * وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } قال الحسين بن الفضل: يعني الذي عرّفني أنّه لم يتخذ ولداً { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } قال مجاهد: لم يذل فيحتاج الى ولي يتعزز به.
{ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } وعظّمه أن يكون له شريك أو ولي، قال عمر بن الخطاب ح: قول العبد: "الله أكبر" خير من الدنيا وما فيها.
وروى سهل بن معاذ عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" آية العزّ { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } " الى آخره.
وروى سفيان بن وكيع عن سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علّمه هذه الآية سبع مرات.
وروى محمد بن سلمة عن عبد الحميد بن واصل قال: من قرأ آخر بني إسرائيل كتب الله له من الأجر ملء السموات والأرض؛ لأن الله يقول فيمن زعم أن له ولدا
{ { تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [مريم: 90-91] قال: فيكتب له من الأجر على قدر ذلك.