{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ } وهو جدّ أبي نوح، فسمّي إدريس لكثرة درسه الكتب، واسمه أخنوخ وكان خيّاطاً، وهو أوّل من كتب بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وأول من تكلّم في علم النجوم والحساب { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } يعني الجنة.
وقال الضّحاك: رفع إلى السماء السادسة، وقيل: الرابعة.
أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني وشعيب بن محمد البيهقي قالا: أخبرنا مكي بن عبدان
التميمي قال: حدَّثنا أحمد بن الأزهر قال: حدَّثنا روح قال: حدَّثنا سعيد عن قتادة في قوله { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } قال: حدَّثنا أنس بن مالك بن صعصعة "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء قال: أتيت على إدريس في السماء: الرابعة" ...
وكان سبب رفعه على ما قاله ابن عباس وكعب وغيرهما أنّه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا ربّ أنا مشيت يوماً فكيف بمن يحملها خمسمائة عام في يوم واحد؟ اللهمّ خفّف عنه من ثقلها واحمل عنه حرّها، فلمّا أصبح الملك وجد من خفّة الشمس وحرّها ما لا يعرف، فقال: يا ربّ خلقتني لحمل الشمس فما الذي قضيت فيه؟ قال: أما إنّ عبدي إدريس سألني أن اخفّف عنك حملها وحرّها فأجبته، فقال: يا ربّ اجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلّة، فأذن له حتى أتى إدريس وكان يسأله إدريس فكان ممّا سأله أن قال له: أُخبرت أنّك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي فازداد شكراً وعبادة، فقال الملك: لا يؤخّر الله نفساً إذا جاء أجلها قال: قد علمت ذلك ولكنه أطيب لنفسي، فقال: نعم أنا مكلّمه لك فما كان يستطيع أن يفعل لأحد من بني آدم فهو فاعله لك، ثم حمله ملك الشمس على جناحه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس، ثمّ أتى ملك الموت فقال: حاجة لي إليك، فقال: أفعل كلّ شيء أستطيعه قال: صديق لي من بني آدم تشفّع بي إليك لتؤخّر أجله قال: ليس ذلك إليّ ولكن إن أحببت أعلمته أجله متى يموت فيقدّم في نفسه، قال: نعم، فنظر في ديوانه وأخبر باسمه فقال: إنك كلّمتني في إنسان ما أراه يموت أبداً، قال: وكيف؟ قال: لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس، قال: إنّي اتيتك وتركته هناك، قال: انطلق فما أراك تجده إلاّ وقد مات، فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء، فرجع الملك فوجده ميّتاً
وقال وهب: كان يرفع لإدريس كلّ يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه، فعجبت منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت فاستأذن ربّه في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم، وكان إدريس صائماً يصوم الدهر، فلّما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس فقال له الليلة الثالثة: إنىّ أُريد أن أعلم من أنت، قال: أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك فأَذن لي، قال: فلي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تقبض روحي، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اقبض روحه، فقبض روحه وردّها الله عليه بعد ساعة.
قال له ملك الموت: ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال: لأذوق كرب الموت وغمّته فأكون له أشدّ استعداداً، ثم قال إدريس له: لي إليك حاجة أُخرى،
قال: وما هي؟ قال: ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجّنة وإلى النار، فأذن الله له في رفعه إلى السماوات، فلمّا قرب من النار قال: حاجة قال: وما تريد؟ قال: تسأل مالكاً حتى يفتح لي بابها فأردها، ففعل ثمّ قال: فكما أريتني النار فأرني الجّنة، فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنّة، ثم قال له ملك الموت: اخرج لتعود إلى مقرّك فتعلّق بشجرة وقال: لا أخرج منها، فبعث الله ملكاً حكماً بينهما ينظر في قولهما فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ قال: لأن الله تعالى قال: { { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } [آل عمران: 185] وقد ذقته، وقال { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71] وقد وردتها، وقال { { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } [الحجر: 48] فلست أخرج، فأوحى الله سبحانه إلى ملك الموت: دخل الجنة وبأمري يخرج، فهو حيّ هناك فذلك قوله: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }.
{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } في السفينة { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا } إلى الإسلام { وَٱجْتَبَيْنَآ } على الأنام { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } يعني القرآن { خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } جمع باك تقديره من الفعل فعول مثل ساجد وسجود وراكع وركوع وقاعد وقعود، جمع على لفظ المصدر، نزلت في مؤمني أهل الكتاب، عبد الله سّلام وأصحابه.
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ } يعيني من بعد النبيّين المذكورين { خَلْفٌ } وهم قوم سوء، والخَلفَ بالفتح الصالح، والخلف بالحزم الطالح، والخلف بسكون اللام الرديء من كلّ شيء، وهم في هذه الآية اليهود ومن لحق بهم. وقال مجاهد وقتادة: في هذه الأُمّة.
{ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي تركوا الصلوات المفروضة، قال ابن مسعود وإبراهيم والقاسم بن مخيمرة: أخّروها عن مواقيتها وصلّوها بغير وقتها.
وقال قرّة بن خالد: استبطأ الضحاك مرّة امتراءً في صلاة العصر حتى كادت الشمس تغرب فقرأ هذه الآية { أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ } ثمَّ قال: والله لئن أدعها أحبّ إلىّ من أن اضيّعها، وقرأ الحسن: اضاعوا الصلوات { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ } قال مقاتل: استحلّو نكاح الأخت من الأب، وقال الكلبي: يعني اللذات وشرب الخمر وغيره، قال مجاهد: هذا عند اقتراب الساعة وذهاب صالحي أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في السكك والأزقّة زناة.
وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال: يكون خلف من بعد ستّين سنة { أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ } الآية.
وقال علىّ بن أبي طالب: "هذا إذا بني المشيد ورُكب المنظور ولبس المشهور"، وقال وهب: فخلف من بعدهم خلف شرّابون للقهوات، لعّابون بالكعبات، ركّابون للشهوات، متبعون للذّات، تاركون للجُمعات، مضيّعون للصلوات، وقال كعب: يظهر في آخر الزمان أقوام بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس، ثمَّ قرأ { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ }.
{ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } قال عبد الله بن مسعود: الغيّ نار في جهنّم، وقال ابن عباس: الغىّ واد في جهنم وإنّ أودية جهنم لتستعيذ من حرّها، أُعدّ ذلك الوادي للزاني المصرّ عليه، ولشارب الخمر المدمن عليها، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه، ولأهل العقوق، ولشاهد الزور، ولامرأة أدخلت على زوجها ولداً. وقال عطاء: الغىّ واد في جهنم يسيل قيحاً ودماً. وقال وهب: الغىّ نهر في النار بعيد قعره، خبيث طعمه، وقال كعب: هو واد في جهنم أبعدها قعراً وأشدّها حرّاً، فيه بئر تسمى البهيم كلّما خبت جهنّم فتح الله تلك البئر فسعّربها جهنم، وقال الضحاك: خسراناً وقيل: عذاباً، وقيل: ألماً، وقيل: كفراً.
{ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } ولم يروها { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } يعني آتياً، قال الأعشى:
وساعيت معصيّاً إليها وشاتها. أي عاصياً.
{ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } في الجنة { لَغْواً } باطلاً وفحشاً وفضولاً من الكلام، قال مقاتل: يميناً كاذبة { إِلاَّ سَلاَماً } استثناء من غير جنسه يعني بل يسمعون فيها سلاماً أي قولاً يسلمون منه، وقال المفسّرون: يعني تسليم بعضهم على بعض تسليم الملائكة عليهم { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } يعني على مقدار طرفي النهار.
أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جعفر بقراءتي عليه قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه قال: حدَّثنا موسى بن هارون قال: حدَّثنا بشر بن معاذ الضرير قال: حدَّثنا عامذ بن سياق عن يحيى بن أبي كثير قال: كانت العرب في زمانها من وجد غداءً مع عشاء فذلك هو الناعم، فأنزل الله سبحانه { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } قدر ما بين غدائهم وعشائهم.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: حدَّثنا علي بن محمد بن سختويه قال: حدَّثنا موسى ابن هارون قال: حدَّثنا داود بن رشيد قال: حدَّثنا الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد عن قول الله سبحانه { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } قال: ليس في الجنة ليل، هم في نور أبداً وإنّما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب، ومقدار النهار برفع الحجب.
{ تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا } وقرأ يعقوب: نورّث بالتشديد، والاختيار التخفيف ؛ لقوله ثُمَّ اَوْرَثْنَا { مَن كَانَ تَقِيّاً } { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } الآية.
أخبرنا عبد الله بن حامد وشعيب بن محمد قالا: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا أبو الأزهر قال: حدَّثنا روح بن عبادة، قال: حدَّثنا عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: يا جبرئيل ما يمنعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا؟ فأنزل الله سبحانه { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ }.
وقال مجاهد: "أبطأت الرّسل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم أتاه جبرئيل فقال: ما حبسك؟ فقال: وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصّون أظفاركم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون" ؟ فأنزل الله سبحانه { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } الآية.
وقال عكرمة والضّحاك ومقاتل وقتادة والكلبي: "احتبس جبرئيل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والرّوح فلم يدر ما يجيبهم، ورجا أن يأتيه جبرئيل بجواب ما سألوه فأبطأ عليهَ قال عكرمة: أربعين يوماً. وقال مجاهد: اثنتي عشرة ليلة وقيل: خمس عشرةَ فشقّ ذلك على رسول الله صلى اللّه عليه وسلم مشقة شديدة، وقال المشركون: ودّعه ربّه وقلاه، فلمّا أنزل جبرئيل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأت عليَّ حتى ساء ظنّي واشتقت إليك، فقال له جبرئيل: إنىّ كنت أشوق إليك ولكنّي عبد مأمور إذا بُعثت نزلت وإذا حُبست احتبستُ" ، فأنزل الله تعالى { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } وأنزل { { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [الضحى: 1-3].
وقيل: هذا إخبار عن أهل الجنة، أنّهم يقولون عند دخولها: ما تتنزل هذه الجنان إّلا بأمر الله { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } قال مقاتل: له ما بين أيدينا من أمر الآخرة { وَمَا خَلْفَنَا } من أمر الدنيا { وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } يعني بين النفختين، وبينهما أربعون سنة، وقيل: كان له ابتداء خلقنا وله كان منتهى آجالنا، وله كان مدّة حياتنا.
ويقال: { مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } من الثواب والعقاب وأُمور الآخرة { وَمَا خَلْفَنَا } ما مضى من أعمالنا في الدنيا { وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } أي ما يكون منّا إلى يوم القيامة. ويقال: { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } قيل أن يخلقنا { وَمَا خَلْفَنَا } بعد أن يميتنا { وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } ما هو فيه من الحياة، ويقال { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } إلى الأرض إذا أردنا النزول إليها { وَمَا خَلْفَنَا } أي السماء إذا نزلنا منها { وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } يعني السماء والأرض، يريد أن كل ذلك لله سبحانه فلا تقدر على فعل إلاّ بأمره.
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } أي ناسياً إذا شاء أن يرسل إليك أرسل. { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } أي واصبر على عبادته { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } قال ابن عباس: مثلاً، وقال سعيد بن جبير: عدلاً، وقال الكلبي: هل تعلم أحداً يسمى الله غيره.
{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ } يعني أُبىّ بن خلف الجمحي { أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ } من القبر { حَيّاً } استهزاءً وتكذيباً منه بالبعث.
قال الله سبحانه { أَوَلاَ يَذْكُرُ } أي يتذكّر ويتفكّر، والأصل يتذكر، وقرأ ابن عامر ونافع وعاصم ويعقوب يذكر بالتخفيف، والاختيار التشديد لقوله سبحانه { { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [الرعد: 19] } وأخواتها، يدل عليه قراءة أُبي { يتذكر الإنسان } يعني أُبىّ بن خلف الجمحي { أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } ثمّ أقسم بنفسه فقال { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ } لنجمعنّهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث { وَٱلشَّيَاطِينَ } مع الشياطين يعني قرناءهم الذين أضلّوهم، يُقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ } يعني في جهنم { جِثِيّاً } قال ابن عباس: جماعات جماعات، وقال مقاتل: جميعاً وهو على هذا القول جمع جثوة، وقال الحسن والضحاك: جاثية على الركب وهو على هذا التأويل جمع جاث. قال الكميت:
همُ تركوا سراتهمُ جثيّاًوهم دون السراة مقرنينا
{ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ } لنَخرجنّ من كلّ أُمّة وأهل دين { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } عتوّاً قال ابن عباس: يعني جرأةً، وقال مجاهد: فجوراً وكذباً، قال مقاتل: علوّاً، وقيل: غلوّاً في الكفر، وقيل: كفراً، وقال الكلبي: قائدهم رأسُهم في الشرّ.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب قال: حدَّثنا الحسن بن علي قال: حدَّثنا أبو أُسامة عن سفيان عن علي بن الأرقم عن أبي الأحوص قال: نبدأ بالأكابر فألاكابر { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } أي أحقّ بدخول النار، يقال: صلي يصلى صلياً مثل لقي يلقى لقيّاً وصلى يصلى صلياً مثل مضى يمضي مضياً.