خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٠٧
أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١٠٨
وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٠٩
-البقرة

الكشف والبيان

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ } يا معشر الكفّار عند نزول العذاب.
{ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } قريب وصديق.
{ وَلاَ نَصِيرٍ } ناصر يمنعكم من العذاب.
{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ } الآية. قال ابن عبّاس: نزلت في عبد الله بن أُميّة المخزومي ورهط من قريش قالوا: يا محمّد أجعل لنا الصّفا ذهباً ووسّع لنّا أرض مكّة، وفجر الأنهار خلالها تفجيرا نؤمن بك.
فأنزل الله عزّ وجلّ { أَمْ تُرِيدُونَ } يعني أتريدون والميم صلة لأنّ أم إذا كان بمعنى العطف لا تكون أبتداء ولا تأتي إلاّ مردودة على استفهام قبلها، وقيل معناه: بل يريدون كقول الشّاعر:

بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضحّىوصورتها أم أنت في العين أملح

أي بل أنت.
{ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ } محمّداً.
{ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } سأله قومه فقالوا: أرنا الله جهرة، وقال مجاهد: لمّا قالت قريش هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"نعم وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن لم تؤمنوا عُذّبتم" فأبوا ورجعوا، والصّحيح أن شاء الله إنها نزلت في اليهود حين قالوا: يا محمّد أئتنا بكتاب من السّماء تحملهُ، كما أتى موسى بالتوراة، لأنّ هذه السّورة مدنية، وتصديق هذا القول قوله تعالى: { { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ } [النساء: 153] في سُئل ثلاث قراءات:
بالهمز: وهي قراءة العامّة، و(سُئل) بتليين الهمزة وهي قراءة أبي جعفر و(سُئل) مثل (قيل) وهي قراءة الحسن.
{ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أخطأ وسط الطريق.
{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } الآية نزلت في نفر من اليهود منهم: فنحاص بن عازورا وزيد ابن قيس؛ وذلك إنّهم قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أُحد: ألم تريا ما أصابكم ولو كنتم على الحقّ ماهزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلاً. فقالوا لهم: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد.
قال: فإني قد عاهدتُ ألاّ أكفر بمحمّد صلى الله عليه وسلم ما عشتُ. فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبر، وقال حُذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّاً وبمحمّد نبيّاً وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين أخواناً.
ثمَّ أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك فقال:
"أصبتما الخير وأفلحتما" . فأنزل الله تعالى { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } أي تمنى وأراد كثير من اليهود.
{ لَوْ يَرُدُّونَكُم } يا معشر المؤمنين.
{ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً } في انتصابه وجهان قيل: بالردّ وقيل: بالحال. { حَسَداً } وفي نصبه أيضاً وجهان: قيل على المصدر أي يحسدونكم حسداً، وقيل: بنزع حرف الصلة تقديره للحسد. وأصل الحسد في اللغة الالظاظ بالشيء حتّى يخدشه وقيل: للمسحاة محسد وللغراد حسدل زيدت فيه اللاّم كما يقال للعبد: عبدل.
{ مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } أي من تلقاء أنفسهم لم يأمر الله عز وجل بذلك.
{ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } في التوراة إنّ محمّداً صادق ودينه حقّ.
{ فَٱعْفُواْ } فاتركوا. { وَٱصْفَحُواْ } وتجاوزوا.
{ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } بعذابه القتل والسبّي لبني قريظة والجلاء والنفي لبني النظير قاله ابن عبّاس.
وقال قتادة: هو أمره بقتالهم في قوله تعالى:
{ { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } إلى { { وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة: 29].
وقال ابن كيسان: بعلمه وحكمه فيهم حكم بعضهم بالإسلام ولبعضهم بالقتل والسبي والجزية، وقيل: أراد به القيامة فيجازيهم بأعمالهم.
{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.