خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨٠
بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٨١
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٨٢
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ
٨٣
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
٨٤
-البقرة

الكشف والبيان

{ وَقَالُواْ } يعني اليهود.
{ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } قدراً مقدّراً ثمّ يزول عنّا العذاب وينقطع، واختلفوا في هذه الأيّام ما هي.
وقال ابن عبّاس ومجاهد:
"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود يقولون: مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنة وإنّما نعذّب بكل ألف سنة يوماً واحداً ثمّ ينقطع العذاب بعد سبعة أيّام، فأنزل الله تعالى هذه الآية" .
قتادة وعطاء: يعنون أربعين يوماً التي عبد أباؤهم فيها العجل وهي مدّة غيبة موسى عليه السلام عنهم.
الحسن وأبو العالية: قالت اليهود: إنّ ربّنا عتب علينا في أمرنا أقسم ليعذّبنا أربعين ليلة ثمّ يدخلنا الجنّة فلن تمسّنا النار إلاّ أربعين يوماً تحلّة القسم فقال الله تعالى تكذيباً لهم: قل يا محمّد { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ } ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل.
{ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً } موثقاً ألاّ يعذّبكم إلاّ هذه المدّة.
{ فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ } وعده، وقال ابن مسعود: بالتوّعد يدلّ عليه قوله تعالى
{ { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [مريم: 87] يعني قال: لا إله إلاّ الله مخلصاً { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال { بَلَىٰ } "بل وبلى" حرفا استدراك ولهما معنيان لنفي الخبر الماضي واثبات الخبر المستقبل، قال الكسائي: الفرق بين (بلى ونعم)، إنّ بلى: أقرار بعد جحود، ونعم: جواب استفهام بغير جحد، فإذا قال: ألست فعلت كذا، فيقول: بلى، وإذا قال: ألم تفعل كذا؟
فيقول: بلى، وإذا قال: أفعلت كذا؟ فيقول: نعم.
قال الله تعالى
{ { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُواْ بَلَىٰ } [الملك: 8-9] وقال { { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وقال في غير الجحود { { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ } [الأعراف: 44] قالوا { { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [الصافات: 16-17] قل نعم وإنّما قال هاهنا بلى للجحود الّذي قبله وهو قوله { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً }
{ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } يعني الشرك.
{ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } قرأ أهل المدينة خطيّاته بالجمع، وقرأ الباقون خطيته على الواحدة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم والاحاطة الاحفاف بالشيء من جميع نواحيه واختلفوا في معناها هاهنا.
وقال ابن عبّاس والضحاك وعطاء وأبو العالية والربيع وابن زيد: هي الشرك يموت الرجل عليه فجعلوا الخطيئة الشّرك.
قال بعضهم: هي الذّنوب الكثيرة الموجبة لأهلها النّار.
أبو رزين عن الربيع بن خيثم في قوله تعالى: { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } قال: هو الّذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب ومثله قال عكرمة وقال مقاتل: أصرّ عليها.
مجاهد: هي الذّنوب تحيط بالقلب كلّما عمل ذنباً إرتفعت حتّى تغشى القلب وهو الرّين.
وعن سلام بن مسكين أنّه سأل رجل الحسن عن هذه الآية؟
فقال السّائل: يا سبحان الله إلاّ أراك ذا لحية وما تدري ما محاطة الخطيئة! انظر في المصحف فكل آية نهى الله عزّ وجلّ عنها وأخبرك إنّه من عمل بها أدخله النّار فهي الخطئية المحيطة.
الكلبي: أو بقته ذنوبه دليله قوله تعالى
{ { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف: 66]: أي تهلكوا جميعاً.
وعن ابن عبّاس: أحيطت بما له من حسنة فأحبطته.
{ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [وهذا من العام المخصوص بصور منها إلاّ من تاب بعد أن حمل على ظاهره] { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } في التّوراة. قال ابن عبّاس: الميثاق: العهد الجديد.
{ لاَ تَعْبُدُونَ } بالياء قرأه ابن كثير وحميد وحمزة والكسائي.
الباقون: بالتّاء وهو إختيار أبي عبيد وأبو حاتم.
قال ابو عمرو: ألا تراه يقول { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } فذلك المخاطبة على التّاء.
قال الكسائي: إنّما ارتفع لا يعبدون لأنّ معناه أخذنا ميثاق بني إسرائيل أن لا تعبدوا إلاّ الله فلمّا ألقى أن رفع الفعل ومثله قوله { لاَ تَسْفِكُونَ }، نظير قوله عزّ وجلّ
{ { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ } [الزمر: 64]: يريد أن أعبد فلمّا حذفت النّاصبة عاد الفعل إلى المضارعة.
وقال طرفة:

ألا أيّهذا الزاجري احضر الوغى وأنْ أشهدَ اللّذاتِ هل أنت مخلدي

يريد أن أحضر، فلمّا نزع (أنْ) رفعه.
وقرأ أُبي بن كعب: لا تعبدوا جزماً على النهي أي وقلنا لهم لا تعبدوا الاّ الله { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } ووصّيناهم بالوالدين إحسانا برّاً بهما وعطفاً عليهما.
وانّما قال بالوالدين واحدهما والدة؛ لأنّ المذكّر والمؤنّث إذا اقتربا غلب المذكّر لخفّته وقوتّه.
{ وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي وبذي القرابة، والقربى مصدر على وزن فعلى كالحسنى والشّعرى.
قال طرفة:

وقربت بالقربى وجدك له ينيفتحايك امر للنكيثة أشهد

{ وَالْيَتَامَىٰ } جمع يتيم مثل ندامى ونديم وهو الطفل الذي لا أبَّ له.
{ وَٱلْمَسَاكِينِ } يعني الفقراء.
{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } اختلفت القراءة فيه فقرأ زيد بن ثابت وأبو العالية وعاصم وأبو عمرو { حُسْنا } بضم الحَاء وجزم السّين وهو اختيار أبي حاتم دليله قوله عزّ وجلّ:
{ { بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [العنكبوت: 8] وقوله تعالى: { { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } [النمل: 11].
وقرأ ابن مسعود وخلف حَسنا بفتح الحاء والسّين وهو اختيار أبي عبيد وقوله: إنّما إخترناها لأنها نعت بمعنى قولاً حسناً.
وقرأ ابن عمر: حُسُنا بضم الحاء والسّين والتنوين مثل الرّعب والنّصب والسّحت والسُحق ونحوها.
وقرأ عاصم والجحدري: احساناً بالألف.
وقرأ أبي بن كعب وطلحة بن مصرف: حسنى وقرنت بالقربى بالتأنيث مرسلة.
قال الثعلبي: سمعت القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عبدوس يقول: مجازه كلمة حسنى ومعناه قولوا للنّاس صدقاً وحقّاً في شأن محمّد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فأصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره ولا تغيروا نعته هذا قول ابن عبّاس وابن جبير وابن جريج ومقاتل دليله قوله
{ { أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } [طه: 86] أي صدقاً.
وقال محمّد بن الحنفية: هذه الآية تشمل البرّ والفاجر.
وقال سفيان الثّوري: ائمروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر.
{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أي أعرضتم عن العهد والميثاق { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ } نصب على الإستثناء.
{ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } وذلك أن قوماً منهم آمنوا.
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ } لا تريقون { دِمَآءَكُمْ } وقرأ طلحة بن مصرف تسفكون بضم الفاء وهما لغتان مثل يعرشون ويعكفون.
وقرأ أبو مجلز: تسفكون بالتشديد على التكثير.
وقال ابن عبّاس وقتادة: معناه لا يسفك بعضكم دم بعض بغير حق وإنّما قال (دماءكم) لمعنيين: أحدهما إن كلّ قوم إجتمعوا على دين واحد فهم كنفس واحدة.
والآخر: هو أنّ الرجل إذا قتل غيره كأنّما قتل نفسه لأنّه يقاد ويقتصّ منه { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } أي لا يخرج بعضكم بعضاً من داره [ولا تسبوا من جاوركم فتلجئوهم إلى الخروج بسوء جواركم].
{ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } بهذا العهد إنّه حقّ.
{ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } اليوم على ذلك يا معشر اليهود.