خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ
٧٩
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٠
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨١
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ
٨٢
وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ
٨٣
إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
٨٤
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ
٨٥
أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ
٨٦
فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٧
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ
٨٨
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ
٨٩
فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ
٩٠
فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ
٩١
مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ
٩٢
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ
٩٣
فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ
٩٤
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
٩٥
وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ
٩٦
قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ
٩٧
فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ
٩٨
-الصافات

الكشف والبيان

{ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ * وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ }: أهل دينه وسنته { لإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }: مُخلص من الشرك والشك، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا الفربابي قال: حدّثنا محمد بن العلا قال: حدّثنا عصام بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: يا بنيّ لا تكونوا لعّانين أو لم يروا إلى إبراهيم لم يلعن شيئاً قط فقال الله سبحانه: { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }؟
{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا }: ماالذي { تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ }، قال ابن عباس: كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم حيث كانوا؛ لئلاّ ينكروا عليه؛ وذلك أنه كان لهم من الغد عيد ومجمع، وكانوا يدخلون على أصنامهم ويقرّبون لهم القرابين ويصنعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم زعموا التبّرك عليه، فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه. قال مقاتل: وكانت الأصنام اثنين وسبعين صنماً من خشب وحديد ورصاص وشبه وفضّة وذهب، وكان كبيرهنّ من ذهب في عينيه ياقوتتان، وقالوا لإبراهيم (عليه السلام): لا تخرج غداً معنا إلى عيدنا. فنظر إلى النجوم، { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ }، قال ابن عباس: مطعون، وقال الحسن: مريض، وقال الضحاك: سأسقم؛ لقوله سبحانه
{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر: 30].
وقيل: سقيم بما في عنقي من الموت، وقيل: سقيم بما أرى من أحوالكم القبيحة، وقيل: سقيم بعلة عرضت له، وإنّه إنما نظر في النجوم مستدلاً بها على وقت حمّى كانت تأتيه، والصحيح أنه لم يكن سقيماً؛ لما رُوي عن النبي (عليه السلام) أنه قال:
"لقد كذب إبراهيم ثلاث كذبات، ما منها واحدة إلاّ وهو بماحل وناصل بها عن دينه: قوله: { إِنِّي سَقِيمٌ }، وقوله: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } [الأنبياء: 63] وقوله لسارة: هذه أُختي" .
{ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } إلى عيدهم، فدخل إبراهيم إلى الأصنام فكسرها ووضع الفأس على عاتق الصنم الكبير، وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على أصنامهم قبل أن يرجعوا إلى منازلهم، فدخلوا عليها فإذا هي مكسورة، فذلك قوله سبحانه: { فَرَاغَ }: فمال { إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ } إظهاراً لضعفهم وعجزهم: { أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } ؛ لأنها أقوى على العمل من الشمال، وهذا قول الربيع بن أنس قال: يعني يده اليمنى، وقيل: بالقسم الذي سبق منه، وذلك قوله: { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [الأنبياء: 57] وقال الفراء: بالقوة.
{ فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ }: إلى إبراهيم { يَزِفُّونَ }، أي يُسرعون عن الحسن. مجاهد: يزفون زفيف النعام وهو حالٌ بين المشي والطيران. الضحاك: يسعون، وقرأ يحيى والأعمش وحمزة { يَزِفُّونَ } بضم الياء، وهما لغتان: فقال لهم إبراهيم على وجه الحِجاج: { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }؟ وفي هذه الآية دليل على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى حيث قال: { وَمَا تَعْمَلُونَ } على [أنها] مكتسبة للعباد حيث أثبت لهم عملاً، فأبطل مذهب القدرية والجبرية بهذه الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنّ الله خالق كلّ صانع وصنعته" .
{ قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ }: معطم النار. قال مقاتل: بنوا له حائطاً من الحجر طوله ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وملؤوه من الحطب وأوقدوا فيه النار.
{ فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ }: المقهورين.