خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً
١٣٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً
١٣٧
بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٣٨
ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً
١٣٩
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً
١٤٠
ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
١٤١
-النساء

الكشف والبيان

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الآية.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس بن كعب وسلام ابن اخت عبد الله بن سلام، وسلامة بن أخيه ويامين ابن يامين، فهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب.
"أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك، وبموسى والتوراة، وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم بل آمنوا بالله ورسوله محمد وبكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله فقالوا : لا نفعل، فأنزل الله تعالى { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } { وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ } يعني القرآن { وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ } يعني الكتب المتقدمة التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المتقدمة { وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ } إلى قوله { ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } يعني خطأ خطأً بعيداً، فلما نزلت هذه الآية، قالوا : يا رسول الله فإنّا نؤمن بالله ورسوله وبالقرآن وبكلّ رسول وكتاب كان قبل القرآن والملائكة واليوم الآخر لانفرق بين أحد منهم كما فعلت اليهود والنصارى، ونحن له مسلمون فدخلوا في الإسلام" .
وقال الضحاك : هي في اليهود والنصارى، ومعنى الآية : يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن.
وقيل : إنه ورد في اليهود خاصة، والمعنى : يا أيها الذين آمنوا في وجه النهار آمنوا في آخر النهار، وذلك قوله تعالى
{ { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } [آل عمران: 72] الآية.
وقال [أبو العالية] وجمع من المفسرين : هذه الآية خطاب للمؤمنين وتأويله : يا أيها الذين آمنوا آمنوا أي أقيموا واثبتوا على الإيمان، وكقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم (فإعلم إنه لا اله إلاّ الله) أي اثبت على ما أنت عليه وكقوله
{ { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 9] ومعناه : وعد الله الذين آمنوا على الإيمان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم في هذه القصة مغفرة وأجراً عظيماً، ويقال في الكلام للقائم : قم، وللقاعد : أُقعد، والمراد منه الاستدامة.
ويقال : أنها خطاب للمنافقين الذين أصروا التكذيب ومعناها : يا أيها الذين آمنوا في الملأ آمنوا في الخلاء، وقال آخرون : المراد منه الكفار يعني : يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى والطاغوت آمنوا بالله، ومعناه : إن كان لابد للإيمان يعني فالإيمان بالله تعالى ورسله والكتب أحق وأولى من الإيمان بما لا يضر ولاينفع ولا ينفق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت، والله أعلم.
ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بموسى { ثُمَّ كَفَرُواْ } بموسى { ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ } بعد عزير بالمسيح وكفرت النصارى بما جاء به موسى وآمنوا بعيسى بن مريم { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بمحمد وبما جاء به.
قتادة : هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثم كفروا وآمنت النصارى بالانجيل ثم كفرت وكفرهم هو [تكذيبهم] إياه، ثم ازدادوا كفراً بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد : ثم ازدادوا كفراً أي ماتوا عليه { لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ } ما أقاموا على ذلك ولا ليهدهم { سَبِيلاً } سبيل هدى.
وقال ابن عباس : يدخل في هذه الآية كل منافق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحو ذكر ما في هذه الآية من الكلام على أهل القدر.
يقال لأهل القدر : خبرونا عن الكفار هل هداهم الله عز وجل إلى الإسلام؟ فإن قالوا : نعم. قيل كيف يجوز أن يقال إن الله هداهم وقد قال الله تعالى { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً }؟ قيل : ومعناه إنه لايهديهم إلى طريق الجنة يقال لهم كيف يهديه إلى طريق الجنة وقد هداه عندك لأن من أصلك إن العبد إنما يدخل الجنة فمعناه أنه يدخل الجنّة لفعله ويدخل النار بفعله، وقد هداه إلى طريق الجنة بهدايته إلى الإسلام فكيف يصح هذا التأويل على أصلك؟
واعلم أنهم إذا ألزمهم الشيء، فقالوا في التأويل، فإذا فحصت عن تأويلهم بان لك فساد قولهم.
واعلم إن الله عز وجل قد بيّن لك إنه لايهديهم سبيلاً ليعلم العبد إنما يقال هُدي بالله عز وجل ويحرم الهدى بإراده الله عز وجل ثم لايكون لهم عاذر بنفي الهدى عنهم، ولا مزيلاً للحجة { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ } نبّئهم يا محمّد { بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.
قال الزجاج : بشّر أي اجعل في موضع بشارتك لهم العذاب الأليم، والعرب تقول : تحيتك الضرب، وعتابك السيف، أي تضع الضرب موضع التحية [والسيف موضع العتاب].
وقال الشاعر :

وخيل قد دلفت لها بخيلتحية بينهم ضرب وجمع

ثم وصف المنافقين فقال { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ } أنصاراً وبطانة { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } يعني الرفد والمعونة والظهور على محمّد وأصحابه.
وقال الزجاج : العزة يعني المنعة والشدة والغلبة مأخوذ من قولهم : أرض عزاز أي صلبة لايفيد عليها شيء ويقال : إستعز على المريض إشتد وجعه، وقولهم يعز عليّ أي يشتد، وقولهم إذا عز الشيء لم يوجد فتأويله قد اشتد وجود وصف إن وجد { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } أي القدرة لله جميعاً وهو سيد الأرباب. ثم قال { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ } يا معشر المسلمين بمكة { فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ } يعني القرآن { يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أي يأخذوا في حديث غير الإستهزاء بمحمد وأصحابه والقرآن.
وذلك إن المنافقين كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود فيستهزئون بالقرآن ويكذبون به ويحرفونه عن مواضعه فنهى الله تعالى المسلمين عن مجالستهم ومخالطتهم، والذي نزل في الكتاب قوله تعالى
{ { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } [الأنعام: 68] الآية.
الضحاك عن ابن عباس : ودخل في هذه الآية كل محدث في الدين، وكل مبتدع إلى يوم القيامة.
الكلبي عن أبي صالح : صح هذا القول بقوله عز وجل وما على الذين يتقون الشرك والاستهزاء من حسابهم من شيء ولكن ذكرى أي ذكروهم وعظوهم بالقرآن لعلهم يتقون الاستهزاء بمحمّد والقرآن { إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } إذا قعدتم عندهم فأنتم إذاً مثلهم { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } أي ينتظرون بكم الدوائر يعني المنافقين { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني النصر والغنيمة { قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } على دينكم فأعطونا من الغنيمة { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } يعني دولة وظهوراً على المسلمين { قَالُوۤاْ } يعني المنافقين { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } ألم نخبركم بعزيمة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونطلعكم على سرّهم.
وقال أهل اللغة : ألم نستحوذ عليكم ويغلب عليكم قال : إستحوذ أي غلب.
وفي الحديث كان عمر أحوذنا أي غالب أمرنا في الحق.
وقال العجّاج : يحوذهن وله حوذى.
[كما يحوذ الفئة] الكميّ.
الكميّ. أي يغلب عليها ويجمعها، ويروى بالزاي فيهما.
وقال النحويون : استحوذ خرج على الأصل، فمن قال : حاذ يحوذ لم يقل إلاّ استحاذ يستحذ وإن كان أحوذ يحوذ كما قال بعضهم : أحوذت [وأطّيبت] بمعنى أحذتُ وأطبت. قال إستحوذ إستخرجه على الأصل { وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ونمنعكم منازلة المؤمنين { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } يعني بين أهل الإيمان وأهل النفاق ثم يفصل بينهم { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }.
عكرمة والضحاك عن ابن عباس يعني حجة.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم سبيلاً يعني ظهوراً عليهم.
وقال علي (رضي الله عنه) : ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين في الآخرة، وفي هذه الآية دليل على أن المنافق ليس بمؤمن وليس الإيمان هو الإقرار فقط، اذ لو كان الإيمان هو الإقرار لكانوا بذلك هم مؤمنين.
وفيه دليل أيضاً على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأن القوم كانوا كاتمين اعتقادهم فأظهر الله عز وجل رسوله على اعتقادهم وكان ذلك حجة له عليهم إذ علموا إنه لايطلع على ضمائر القلوب إلا البارىء جل وعز.