خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً
١
لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢
وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً
٣
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
٤
لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً
٥
وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٦
وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
٧
إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً
٨
لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٩
-الفتح

الكشف والبيان

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أخبرنا عبيد الله بن محمّد الزاهد، أخبرنا أبو العبّاس السرّاج، حدّثنا هنّاد بن السري، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا علي بن عبد الله التيمي يعني أبا جعفر الرازي، عن قتادة، عن أنس { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } قال: فتح مكّة، وقال مجاهد والعوفي: فتح خيبر، وقال الآخرون: فتح الحديبية.
روى الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: ما كنّا نعدّ فتح مكّة إلاّ يوم الحديبية.
وروى إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكّة، وقد كان فتح مكّة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة. والحديبية بئر.
أخبرنا عقيل بن محمّد الفقيه أنّ أبا الفرج القاضي البغدادي، أخبرهم، عن محمّد بن جرير، حدّثنا موسى بن سهل الرملي، حدّثنا محمّد بن عيسى، حدّثنا مجمع بن يعقوب الأنصاري، قال: سمعت أبي يحدِّث، عن عمّه عبد الرّحمن بن يزيد، عن عمّه، مجمع بن حارثة الأنصاري وكان أحد القرّاء الذين قرأوا القرآن قال:
"شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا انصرفنا عنها، إذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض النّاس لبعض: ما بال النّاس؟ قالوا: أُوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخرجنا نوجف، فوجدنا النبي (عليه السلام) واقفاً على راحلته عند كراع العميم، فلمّا اجتمع إليه الناس، قرأ { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } . فقال عمر: أو فتح هو يا رسول الله؟ قال: نعم والّذي نفسي بيده إنّه لفتح. فقسم صلى الله عليه وسلم الخمس بخيبر على أهل الحديبية، لم يدخل فيها أحد إلاّ من شهد الحديبية" .
أخبرنا الحسين بن محمّد بن منجويه العدل، حدّثنا أبو محمّد عبدالله بن محمّد بن شنبه، حدّثنا عبيدالله بن أحمد الكسائي، حدّثنا الحارث بن عبد الله، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي في قوله: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } قال: فتح الحديبية، غفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محلّه، وظهرت الروم على فارس، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس.
وقال مقاتل بن حيان: يسّرنا لك يُسراً بيّناً، وقال مقاتل بن سليمان: لمّا نزل قوله:
{ { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } [الأحقاف: 9] فرح بذلك المشركون، والمنافقون، وقالوا: كيف نتّبع رجلاً لا يدري ما يفعل به وبأصحابه، ما أمرنا وأمره إلاّ واحد، فأنزل الله تعالى بعدما رجع من الحديبية { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أي قضينا لك قضاءً بيّناً.
{ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } فنسخت هذه الآية تلك الآية، وقال صلى الله عليه وسلم
"لقد نزلت عليَّ آية ما يسرّني بها حمر النعم" .
وقال الضحاك: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } بغير قتال، وكان الصلح من الفتح، وقال الحسن: فتح الله عليه بالإسلام.
{ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ } قال أبو حاتم: هذه (لام) القسم، لما حذفت (النون) من فعله كسرت اللام ونُصبَ فعلها بسببها بلام كي، وقال الحسين بن الفضيل: هو مردود إلى قوله:
{ { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [محمد: 19] { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } و{ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي } وقال محمّد بن جرير: هو راجع إلى قوله: { { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ } [النصر: 1-3] { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } قبل الرسالة { وَمَا تَأَخَّرَ } إلى وقت نزول هذه السورة.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن عبدالله الحافظ، حدّثنا أبو عمرو عثمان بن عمر ابن حقيف الدرّاج، حدّثنا حامد بن شعيب، حدّثنا شريح بن يونس، حدّثنا محمّد بن حميد، عن سفيان الثوري { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } ما عملت في الجاهلية { وَمَا تَأَخَّرَ } كلّ شيء لم تعمله.
وقال عطاء بن أبي مسلم الخرساني: { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِك } يعني ذنب أبويك آدم وحوّاء ببركتك { وَمَا تَأَخَّرَ } ديوان أُمّتك بدعوتك. سمعت الطرازي يقول: سمعت أبا القاسم النصر آبادي يقول: سمعت أبا علي الرودباري بمصر يقول: في قول الله تعالى: { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }، قال: لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه.
{ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أي ويثبتك عليه، وقيل: يهدي بك. { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } غالباً. وقيل: مُعزّاً. { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } الرحمة، والطمأنينة { فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال ابن عبّاس: كلّ سكينة في القرآن فهي الطمأنينة إلاّ التي في البقرة.
{ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } قال ابن عبّاس: بعث الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلمّا صدّقوا فيها زادهم الصلاة، فلمّا صدّقوا زادهم الصيام، فلمّا صدّقوا زادهم الزّكاة، فلمّا صدّقوا زادهم الحجّ، ثمّ زادهم الجهاد، ثمّ أكمل لهم دينهم بذلك، وقوله تعالى: { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } أي تصديقاً بشرائع الإيمان مع تصديقهم بالإيمان.
وقال الضحاك: يقيناً مع يقينهم، وقال الكلبي: هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحقّ.
{ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } أخبرنا عبيد الله بن محمّد الزاهد، أخبرنا أبو العبّاس السرّاج، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن المبارك، حدّثنا يونس بن محمّد، حدّثنا شيبان، عن قتادة في قوله سبحانه: { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } قال أنس بن مالك: إنّها نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من الحديبية، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة، قد حيل بينهم وبين مناسكهم ونحروا بالحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
"لقد أُنزلت عليَّ آية هي أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعاً" فقرأها على أصحابه، فقالوا: هنيئاً مريئاً يا رسول الله، قد بيّن الله تعالى ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } قال أهل المعاني: وإنّما كرّر (اللام) في قوله: { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } بتأويل تكرير الكلام مجازه { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } إنّا فتحنا لك { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } أي لن ينصر الله محمّداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
{ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } بالذلّ والعذاب { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً * وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعتها (بالياء) واختاره أبو عبيد، قال: لذكر الله المؤمنين قبله، وبعده، فأمّا قبله فقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } وقرأها الآخرون (بالتاء) واختاره أبو حاتم.
{ وَتُعَزِّرُوهُ } وقرأ محمّد بن السميقع (بزايين)، وغيره (بالراء) أي لتعينوه، وتنصروه. قال عكرمة: تقاتلون معه بالسيف، أخبرنا علي بن محمّد بن محمّد بن أحمد البغدادي، أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد الشيباني، أخبرنا عيسى بن عبد الله البصري بهراة، حدّثنا أحمد بن حرب الموصلي، حدّثنا القاسم بن يزيد الحرمي، حدّثنا سفيان بن سعيد الثوري، عن يحيى بن سعيد القطان، حدّثنا سفيان بن عينية، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: لمّا نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَتُعَزِّرُوهُ }، قال لنا: ماذا كُم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: لتنصروه وَتُوَقِّرُوهُ وتعظّموه وتفخموه. وهاهنا وقف تام.
{ وَتُسَبِّحُوهُ } أي وتسبحوا الله بالتنزيه والصلاة. { بُكْرَةً وَأَصِيلاً }.