خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٩٧
ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٨
مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٩٩
قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٠١
قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ
١٠٢
مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
١٠٣
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
١٠٤
-المائدة

الكشف والبيان

{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ }.الآية.
قال ابن عباس: كانوا يتغادرون ويتقاتلون فأنزل اللّه { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ }.
قال مجاهد: سميت كعبة مربع والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة.
وقال مقاتل: سميت كعبة لانفرادها من البنيان.
قال أهل اللغة: أصلها من الخروج والإرتفاع وسمّي الكعب كعباً لخروجه من جانبي القدم، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرجت ثدياها: قد تكعبت، فسميت الكعبة كعبة لارتفاعها من الأرض، وثباتها على الموضع الرفيع، وسميت البيت الحرام لأن اللّه حرّمه وعظم حرمته.
وفي الحديث:
"مكتوب في أسفل المقام: إني أنا اللّه ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض. ويوم وضعت هذين الجبلين وحففتهما بسبعة أملاك حفاً من جاءني زائراً لهذا البيت عارفاً بحقه مذعناً لي بالربوبية حرّمت جسده على النار" .
{ قِيَاماً لِّلنَّاسِ } أي قواماً لهم في أمر دينهم ودنياهم وصلاحاً لمعاشهم ومعادهم لما يحصل لهم من الحج والعمرة والزيارة والتجارة وما يجبى إليه من الثمرات ويظهر فيه من أنواع البركات.
فقال إبن جبير: من أتى هذا البيت يريد شيئاً للدنيا والآخرة أصابه { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } أراد به الأشهر الحرم يأمن فيها الناس { وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ } الآية.
إعتُرض على هذه الآية وقيل: كيف يليق أول الآية بآخرها؟ فالجواب أن مجاز الآية إن اللّه يعلم صلاح الناس كما يعلم { مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } الآية { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } الآيتين { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } يعني الحلال والحرام.
{ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } نزلت في شرح بن صبيعة وحجاج بكر بن وائل { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تتعرضوا للحجاج وإن كانوا مشركين.
وقد مضت القصة في أول السورة { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } الآية، إختلفوا في نزولها، فروى الزهري وقتادة عن أنس وأبو صالح عن أبي هريرة قالا:
"سأل الناس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى ألحّوا بالمسألة فقام مغضباً خطيباً وقال: سلوني فواللّه لا تسألوني عن شيء في مقامي هذا لآتيته لكم، فأشفق أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد مضى، قال أنس: فجعلت لا ألتفت يميناً ولا شمالاً إلاّ وجدت رجلاً لافاً رأسه في ثوبه يبكي، فقام إليه رجل من قريش من بني تميم يقال له عبد اللّه بن حذافة: وكان يطعن في نسبه وكان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي اللّه من أبي؟ قال: أبو حذافة بن قيس. قال الزهري: فقالت أم عبد اللّه بن حذافة: ما رأيت ولداً بأعق منك قط أكنت تأمن أن تكون أمك قد فارقت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رؤس الناس.
فقال: واللّه لو ألحقني بعبد أسود للحقته، فقام إليه رجل آخر فقال: يا رسول اللّه أين أنا؟ قال: في النار.
فقام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقبل رجل رسول اللّه وقال: رضينا باللّه ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، إنا يا رسول اللّه حديثو عهد بالجاهلية والشرك فاعف عنا عفى اللّه عنك فسكن غضبه وقال: أما والذي نفسي بيده لقد صورت لي الجنة والنار أنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر"
.
وقال ابن عباس: كانوا قوم يسألون رسول اللّه (عليه السلام) إمتحاناً بأمره، واستهزاءً به، فيقول له بعضهم من أبي؟ ويقول الآخر: أين أنا؟ ويقول الآخر إذا خلت ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال علي وأبو أمامة الباهلي:
"خطب بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال: إن اللّه كتب عليكم الحج. فقام رجل من بني أسد يقال له عكاشة بن محسن فقال: أفي كل عام يا رسول اللّه؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً، فقال (عليه السلام): ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم، واللّه لو قلت نعم لوجبت، ولو أوجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني كما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" .
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية حين قالوا لرسول اللّه عن البحيرة والسائبة ألا ترى يقول بعد ذلك ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة الآية { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } تسؤكم لأن القرآن إنما ينزل بإلزام فرض فيشق عليكم أو شيء كان حلالاً لكم { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ } كما سألت ثمود صالحاً الناقة، وقوم عيسى المائدة { ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } فأهلكوا.
روى مكحول الشامي عن أبي ثعلبة الخشني قال: إن اللّه فرض فرائض فلا تسبقوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحدّ حدوداً فلا تعتدوها وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها.
{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ } ما أنزل اللّه ولا من اللّه ولا أمر به نظيره قوله
{ { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [الزخرف: 3] أي أنزلناه، { مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ }.
وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التميمي عن أبي صالح السمّان عن أبي هريرة قال:
"قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأكتم بن الجون: يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبة في النار، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا بك منه، وذلك إنه أول من غيّر دين إسماعيل ونصب الأوثان، ونحر البحيرة، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، ولقد رأيت في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه فقال أكثم: تخشَ أن يضرني شبهه يا رسول اللّه، قال: لا أنت مؤمن وهو كافر" .
قال: وذلك أن الناقة إذا تابعت ثنتي عشرة إناثاً سيبت فلم يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلاّ ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم يخلى سبيلها مع إنها في الإبل يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلاّ ضيف كما فعل بأُمها وهي البحيرة بنت السائبة.
وقال ابن عباس: على إنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا في البطن الخامس، فإن كان ذكراًنحروه، فأكله الرجال والنساء جميعاً وإن كانت أنثى شقوا أُذنها فتلك البحيرة ولا يجز لها وبر، ولا يذكر عليها إسم اللّه إن ذُكيّت ولا يحمل عليها وحرّمت على النساء لا يذقن من ألبانها ولا ينتفعن بها وكانت لبنها ومنافعها خاصة للرجال دون النساء حتى تموت، وإذا ماتت اشترك الرجال والنساء في أكلها.
وقيل: هو إنهم كانوا إذا ولد السقب بحروا أذنها وقالوا: اللهم إن عاش ففتي وإن مات فذكي، فإذا مات أكلوه.
وأما السائبة فكان الرجل يسيب من ماله فيجيء به إلى السدنة فيدفعه إليهم فيطعمون منه أبناء السبيل من ألبانها ولحمانها إلاّ النساء فإنهم كانوا لا يعطونهن منها شيئاً حتى يموت فإذا مات أكلها الرجال والنساة جميعاً.
وقال علقمة: هي العبد [يسيب] على أن لا يكون له ولاء ولا عقل، وله ميراث. فقال (عليه السلام):
"إنما الولاء لمن أعتق" . وإنما أخرجها بلفظ الفاعلة وهي بمعنى المفعولة وهي المسيبة والمخلاة على مذهب قوله [ماء دافق وعيشة] راضية، وأما الوصيلة فهي الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان البطن السابع ذكراً ذبحوه وأهدوه للآلهة، وإن كانت أنثى إستحيوها، فإن كانت ذكراً أو أنثى إستحيوا الذكر من أجل الأنثى.
وقالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوه، وأما الحامي فهو الفحل إذا ركب ولد فيلده قبل حمي ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا رعي إلا أن يموت فيأكله الرجال والنساء قال اللّه { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ } يختلقون { عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } في قولهم: واللّه أمرنا بها { وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } في تحليل الحرث والأنعام وبيان الشرائع والأحكام { قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } قال اللّه تعالى { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } نظيرها في سورة البقرة ولقمان.