خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٩٠
إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ
٩١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٩٢
لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٣
يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٩٤
يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٩٥
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩٦
-المائدة

الكشف والبيان

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ } وقد مرّ تفسيره، فإن جمعه تحريمها وسنذكر أخباراً في الوعيد الوارد في شربها واتخاذها وبيعها وباللّه التوفيق.
عن الشيخ أبو عمرو أحمد بن أبي الفراني، الحاكم أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد اللّه المروزي حدثني عبد اللّه بن يحيى حدثني الحسين بن المبارك حدثني عتبة بن الوليد عن عبد اللّه ابن حبيب عن الزهري عن ابن المسيب عن عثمان بن عفان قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
"إن اللّه لا يجمع الخمر والإيمان في إمرىء أبداً" .
أحمد بن أبي، عمران بن موسى، ومارود بن بطن، عثمان بن أبي شيبة، محمد بن أبي سلمى الأصفهاني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مدمن الخمر كعابد الوثن" .
أحمد بن أُبي، محمد بن يعقوب، الربيع بن سليمان، الشافعي مالك عن نافع عن إبن عمر إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة" .
أحمد بن أُبي، أبو عبد اللّه بن محمد بن موسى الرازي، الحرث بن أبي أسامة البغدادي، داود ابن المحسن الواسطي، ميسر بن عبد ربه عن أبي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وابن عباس جميعاً قالا: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا سقاه اللّه من سم الأساود وسم العقارب، من شربها تساقط لحم وجهه في الإناء قبل أن يشربها فإذا شربها [تفسخ لحمه] ينادي به أهل الجمع ثم يؤمر به إلى النار إلا وشاربها وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومبتاعها وحاملها والمحمول إليه وكل فيها سواء في إثمها وحاد بها، ولا يقبل اللّه منه صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا عمرة حتى يتوب فإن مات قبل أن يتوب منها كان حقاً على اللّه يعاقبه فيه بكل جرعة شربها في الدنيا شربة من صديد جهنم ألا وكل مسكر خمر وكل خمر حرام" .
أحمد بن أُبي، أبو العباس الأصم، أحمد بن إسحاق الصنعاني، أبو نعيم، عبد العزيز بن محمد ابن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن عبد اللّه الغافقي من أهل مصر عن ابن عمر أنه قال: أشهد أني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "لعن اللّه الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمول إليه وأكل ثمنها" .
أحمد بن أُبي، أبو العباس الأصم، محمد بن إسحاق بن جعفر الصنعاني، نعيم بن ماد، عبد العزيز بن محمد عن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر ولا يموتن أحدكم وعليه دين فإنه ليس هناك دينار ولا درهم وإنما يقتسمون هناك الحسنات والسيئات واحد بيمينه وواحد بشماله" .
أبو بكر أحمد بن محمد القطان، محمد بن الحسين بن محمد الدهقان، عثمان بن سعيد الدارمي، الربيع بن الروح أبو توبة الحلبي، محمد بن الحرمي عن حكم بن عيينة عن محمد بن [المنكدر] عن علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر بعد أن حرمها اللّه على لساني فليس له أن يزوج إذا خطب ولا يصدق إذا حدث ولا يشفع إذا شفع ولا يؤتمن على أمانة فمن أئتمنه على أمانة فاستهلكها فحق على اللّه عز وجل أن لا يخلف عليه" .
أنشدنا أبو القاسم الحبيبي، أنشدنا أبو العباس عبد اللّه بن محمد الجبّائي، أنشدنا رضوان ابن أحمد الصيدلاني شعراً:

تركت النبيذ لأهل النبيذوصرت حليفاً لما عابه
شراباً يدنس عرض الفتىويفتح للشر أبوابه

{ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ } أي الأوثان، سميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها، واحدها: نصب بفتح النون وجزم الصاد، ونصب منهم النون مثقلاً ومخففاً { وَٱلأَزْلاَمُ } يعني القداح التي كانوا يقتسمون بها { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } تزينه { فَٱجْتَنِبُوهُ } رد الكناية إلى الرجس { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ } يلقي { بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } كما فعل الأنصاري الذي [شج] سعد بن أبي وقاص [بلحي] الجمل { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } كما فعل بأضياف عبد الرحمن بن عوف { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } أي إنتهوا لفظه إستفهام ومعناه أمر كقوله { { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } [الأنبياء: 80] { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ } المحارم والملاهي { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ }. عن ذلك { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ } فإما التوفيق والخذلان، والثواب والعقاب فإلى اللّه سبحانه، فلما نزل تحريم الخمر والميسر، قالت الصحابة: يا رسول اللّه ما تقول في إخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر فأنزل اللّه { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } شربوا الخمر نظيره قوله { { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } [البقرة: 249] وفيما أكلوا من الميسر ذلك ذكر المنعم لأنه لفظ جامع { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ } الشهوات { وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ } الخمر والميسر بعد تحريمهما { ثُمَّ اتَّقَواْ } حرم اللّه عليهم كله { وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }.
الحسين بن محمد بن فنجويه، عمر بن الخطاب، محمد بن إسحاق الممسوحي، أبو بكر ابن أبي شيبة، محمد بن بكر عن سعد بن عوف عن محمد بن حاطب قال: ذكر عثمان قال الحسن بن علي: هذا أمير المؤمنين يأتيكم خبركم فجاء علي فقال: إن عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا واللّه يحب المحسنين { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } الآية، نزلت عام الحديبية إبتلاهم اللّه بالصيد فكان الوحش يغشى رجالهم كثير وهم محرمون فبينما هم يسيرون بين مكة والمدينة إذ عرض اليهم حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر بن عمرو فطعنه برمحه فقتله فقيل له: إنك قتلت الصيد وأنت حرم فأتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فأنزل اللّه { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } ليختبرنكم اللّه { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } وإنما بعض فقال بشيء لأنه إبتلاهم بصيد البرّ خاصة { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } وهي الفراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفر من الصيد الوحش { وَرِمَاحُكُمْ } وهي الوحش وكبار الصيد { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } ليرى اللّه من يخافه بالغيب ولم يره { مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } فلا يصطاد في حال الإحرام { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } أي صاده بعد تحريمه فاستحلّه { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } أي محرمون بالحج والعمرة وهو جمع إحرام يقال رجل حرام وامرأة حرام { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً } إختلفوا في صيغة العمد الموجب للجزاء والكفارة في قتل الصيد، قال: حرموا العمد في قتل الصيد مع نسيانه لإحرامه في حال قتله فأما إذا قتله عمداً وهو ذاكراً لإحرامه فلا حكم عليه وأمره إلى اللّه لأنه أعظم من أن يكون له كفارة.
قرأ مجاهد والحسن وقال آخرون: هو العمد من يحرم بقتل الصيد ذاكر الحرمة فيحكم عليه في العمد والخطأ وهو إختيار الشافعي وأكثر الفقهاء.
وقال الزهري: نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ.
وقال ابن عباس: إن قتله متعمداً مختاراً سئل: هل قتلت قبله شيئاً من الصيد؟ فإن قال: نعم لم يحكم عليه وقيل له: إذهب فينتقم اللّه منك. وإن قال: لم أقتل قبله شيئاً حكم عليه فإن عاد وقتل الصيد محرماً بعد ما حكم عليه لم يحكم عليه ولكن يملأ ظهره وصدره ضرباً وجيعاً، وكذلك حكم رسول اللّه (عليه السلام) في وج وهو وادي بالطائف، وعندنا إذا عاد يحكم عليه وعليه الجمهور بذلك.
قوله: { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } نوّنها يعقوب وأهل الكوفة ورفعوا المثل على البدل من الجزاء، كأنه فسّر الجزاء فقال: مثل ما قيل من النعم وأضافها الآخرون لاختلاف الإسمين { يَحْكُمُ بِهِ } أي بالجزاء { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } أي فقيهان عدلان فينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به حتى يفديه ويهديه إلى الكعبة فإن قتل نعامة فعليه بدنة فإن قتل بقرة أو إبلاً أو حماراً فعليه بقرة وإن قتل بقرة وحشية فعليه عجل إنسي وفي الضبع كبش لأنه صيد وأكله حلال.
وأما السباع فلا شيء فيها وإن قتل ضبياً فعليه شاة، وفي الغزال والأرنب جمل، وفي الضب واليربوع سخلة، وفي الحمام والفواخت والقمري والدبسي وذوات الأطواق وكل ما عبث وهدر شاة، واختلفوا في الجراد وروي عن عمر أنّه قال لكعب وقد قتل جرادتين: ما جعلت على نفسك، قال: درهماً قال: بخ، قال: درهم خير من مائة جرادة.
وروي عن عمر أيضاً في الجرادة تمرة.
قال ابن عباس: قبضة من طعام فإن أصاب فرخاً أو بيضاً أو شيئاً لا يبلغ بهيمة فعليه قيمته طعاماً، وهو قول عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وابن عمر وإليه ذهب الشافعي، وعليه جمهور أهل العلم، قال النخعي: يقوم الصيد المقتول قيمته من الدراهم فيشتري بثمنه فداء من النعم ويهديه إلى الكعبة.
وروى عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال: خرجنا حجاجاً وكنا إذا صلينا الغداة أفسدنا رواحلنا نتماشى ونتحدث، فبينا نحن ذات غداة إذ سنح لنا ضبي [فابتدرناه] فابتدرته ورميته بحجر فأصاب حشاه فركب ردعه فمات فلما قدمنا مكة سألنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وكان حاجاً وكان جالساً وإلى جنبه عبد الرحمن بن عوف فسألته عن ذلك، فقال عمر لعبد الرحمن: ما ترى؟ فقال: عليه شاة قال: وأنا أرى ذلك. قال: إذهب فأهد شاة فخرجت إلى صاحبي فقلت: إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره، قال: فلم [يفجأنا] إلاّ وعمر معه درّة فعلاني بالدرّة فقال: أتقتل في الحرم وتسفه الحكم، قال اللّه { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } فأنا عمر وهذا عبد الرحمن.
محمد بن عبدوس عن محمد بن الحسن عن علي بن عبد العزيز عن القاسم بن علام عن أبي أمية عن أبي [صوليه] عن عبد الملك بن عمير: أو كفارة طعام مساكين إذا لم يكن واجداً للفدية أو لم يكن للمقتول مثل من النعم فكفارته حينئذ الإطعام. يقوّم الصيد المقتول دراهم ثم يقوّم الدراهم طعاماً فتصدق على مساكين الحرم فإن لم يجد فصيام لكل نصف صاع يوماً عند أبي حنيفة، وقال الشافعي: لكل مدّ وعنده إنه يخير من هذه الأشياء الثلاثة فإنه ذكرها تلفظاً وهو قول مجاهد وعطاء، واختلفوا في تقويم الطعام.
فقال الشافعي وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء: يقوّم الصيد قيمة الأرض التي أصابه بها.
وقال الشعبي: يقوّم بسعر الأرض التي يكفر بها. قال جابر: سأل الشعبي عن محرم أصاب صيداً بخراسان. قال: يكفر بمكة بثمن مكة.
واختلفوا في الإطعام أين يُطعم؟.
فقال قوم: يُطعم بمكة فلا يجزي إلاّ بها، وهذا قول عطاء وإليه ذهب الشافعي.
فأما الهدي فلا يجوز إلاّ بمكة بلا خلاف. فأما الصوم فيجوز بأي موضع صام بلا خلاف فلو أكل من لحم صيد فلا جزاء عليه إلاّ في قتله أو جرحه ولو دلّ على صيد كان مسيئاً جزاء عليه كما لو أمر بقتل مسلم لا قصاص عليه وكان مسيئاً.
واعلم أن الصيد الذي لا يجوز قتله في الحرم وفي حال الإحرام هو ما حلّ أكله.
أبو عبد اللّه الحسين بن محمد الدينوري، أبو بكر البستي، أبو عبد الرحمن البستي، قتيبة ابن سعد عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:
"خمس ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة والكلب العقور" .
وبه عن عبد الرحمن عمرو بن علي عن يحيى عن شعبة عن قتادة عن ابن المسيّب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خمس يقتلهن المحرم: الحية والفأرة والحدأة والغراب الأبقع والكلب العقور" .
{ لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } جزاء معصيته { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } في الجاهلية { وَمَنْ عَادَ } في الإسلام { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } في الآخرة.
وقال ابن عباس: يملأ ظهره سوطاً حتى يموت.
السدي: عاد رجل بعد ما حكم عليه بالتحريم وأحرقه اللّه بالنار.
{ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } على المحرم والحلال. وهو على ثلاثة أوجه: الحيتان وأجناسها وكلها حلال، والثاني: الضفادع وأجناسها وكلها حرام. والثاني فيه قولان، أحدهما: حلال، والثاني: حرام، وهو مذهب أبي حنيفة.
وقال بعضهم: كل ماكان مثاله في البر فهو حلال في البحر وما كان مثاله [جزاء ما] في البر فهو حرام في البحر.
فأراد بالبحر جميع المياه لقوله
{ { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [الروم: 41] { وَطَعَامُهُ } قال بعضهم: هو ما مات في الماء فقذفه الماء إلى الساحل ميتاً وهو قول أبي بكر وعمر وإبنه وأبي هريرة وابن عباس، وقال بعضهم: هو المليح منه، وهو قول ابن جبير وعكرمة والنخعي وابن المسيب وقتادة { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } يعني المارة.
{ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } لا يجوز للمحرم أكل الصيد إذا صاد هو وصيد له بأمره فأما إذا صاده حلال بغير أمره ولا له فيجوز له بلا خلاف.
فأما إذا قتله المحرم فهل يجوز أكله أم لا؟
قال الشافعي: يجوز لأنه ذكاة مسلم، وعند أبي حنيفة لا يجوز فأحلّه محل ذكاة المجوس، ودليل الشافعي، أبو عبد اللّه [الفنجوي]، أبو بكر السني، النامي، محمود بن عبد اللّه، أبو داود، سعيد عن عثمان بن عبد اللّه موهب سمعت عبدالله بن أبي قتادة حدث عن أبيه
"إنهم كانوا في مسير لهم في بعضهم ليس بمحرم، قال: فرأيت حماراً وحشياً، فركبت فرسي وأخذت الرمح واستعنتهم فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطاً من بعضهم فشددت على الحمار وأخذته فأكلوا منه فأشفقوا فسئل عن ذلك النبي (عليه السلام) فقال: هل محرم عنيتم؟ قالوا: لا، قال: فكلوا" .
وبإسناده عن النسائي قال: [حدّثنا]، قتيبة بن سعيد عن يعقوب وهو ابن عبد الرحمن بن عمرو عن المطلب عن جابر سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو صيد لكم" .
{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.