خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
١٥١
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
١٥٢
وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٥٣
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
١٥٤
وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٥٥
-الأنعام

الكشف والبيان

ثمّ قال قل يامحمد { تَعَالَوْاْ أَتْلُ } أقرأ { مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } حقّاً يقينا كما أوحى إليّ ربّي وأمرني به لاظنّاً ولا تكذيباً كما يزعمون { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } اختلفوا في محل أن فقال بعضهم: [محلّه] نصب، ثمّ اختلفوا في وجه انتصابه فقيل معناه: حرّم أن تشركوا ولا صلة كقولهم: (ما منعك ألا تسجد).
وقيل: إنّك ألاّ تشركوا، وقيل: أوحى ألا تشركوا، وقيل: [ما] بدل [من] ما حرّم، وقيل: الكلام عند قوله { حَرَّمَ رَبُّكُمْ } ثمّ قال: عليكم أن لا تشركوا على الكفر، وقال بعضهم: موضع [من] معناه: وهو أن لا تشركوا جهراً بكفركم، وأما بعده فيجوز أن يكون في محل النصب عطفاً على قوله أن لا تشركوا) وأن [.......] لأنّه يجوز أن يكون جزم على الأقوى كقوله { أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ }.
{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } عطف بالنهي على الخبر قال الشاعر:

حج وأوصي بسليمى إلا عبداأن لاترى ولا تكلم أحداً
ولا يزال شرابها مبردا

{ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } ولاتئدوا بناتكم خشية العيش فإني أرزقكم وإياهم والإملاق الفقر ونفاد الزاد.
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } يعني علانية { وَمَا بَطَنَ } يعني السرّ قال المفسّرون: كانوا في الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأساً في السرّ فحرّم الله تعالى الزنا في العلانيّة والسر وقال الضحاك: ما ظهر الخمر وما بطن { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } [نهى وهي] نفس مؤمن أو معاهد { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } يعني بما أباح قبلها وهي الارتداد والقصاص والرجم.
وروى مطر الوراق عن نافع بن عمر عن عثمان رضي الله عنه أشرف على أصحابه وقال: علام يقتلونني فإنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا يحل دم أمرىء مُسلم إلاّ بإحدى ثلاث: رجل زنا بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عامداً فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت أحداً فاقيد نفسي، ولا ارتدت منذ أسلمت، إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله" .
{ ذٰلِكُمْ } النبيّ الذي ذكرت { وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } يعني بما فيه صلاحه وتثميره، وقال مجاهد: هو التجارة فيه، وقال الضحاك: أموال يبتغي له فيه ولا يأخذ من ربحه شيئاً.
وقال ابن زيد: وأن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى لم يأكل، وقال الشعبي: مَنْ خالط مال اليتيم حتّى يفصل عليه فليخالطه، ومَنْ خالطه ليأكل منه وليدعه حتّى يبلغ أشده.
وقال يحيى بن يعمر: بلوغ الحلم، وقال الشعبي: الأشد الحلم حيث يكتب له الحسنات وعليه السيئات، وقال أبو العاليّة: حتّى يعقل ويجتمع قوّته.
وقال الكلبي: الأشد مابين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة. وقال السدّي: هو ثلاثون سنة ثمّ جاء بعدها حتّى بلغوا النكاح.
والأشد جمع شدّ، مثل قدّ وأقدّ، وهو استحكام قوماً لفتى وشبابه وسنه، ومنه شد النهار وهو ارتفاعه، يقال: أتيته شدّ النهار ومد النهار وقال الفضل بن محمد في شد بيت عنترة:

[عهدي به] شدّ النهار كأنّماخضب اللبان ورأسه بالعظلم

وقال آخر:

تطيف به شد النهار ضعينةطويلة أنقاء اليدين سحوق

وليس بلوغ الأشد ممّايدع قرب ماله بغير الأحسن وقد تمّ الكلام.
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [على الأبد] { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } فادفعوا إليه ماله إن كان رشيداً { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } بالعدل { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي طاقتها في إيفاء الكيل والوزن، وقال أهل المعاني: معناه: إلاّ يسعها ويحلّ لها ولا يخرج عليه ولا يضيق عنه وذلك أنّ لله تعالى من عباده أنّ كثيراً منهم ضيق نفسه عن أن يطيّب لغيره بما لا يجب عليها له فأمر المعطي بإيفاء الحق ربّه الذي هو له ويكلّفه الزيادة لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها، وأمر صاحب الحق بأخذ حقّه ولم يكلفه الرضا بأقل منه لمّا فيه في النقصان عليه من ضيق نفسه، فلم يكلّف نفساً منهما إلاّ ما لا حرج فيه ولا يضيق عليه.
قال ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم فقد وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } أي فاصدقوا في الحكم والشهادة { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } محذوف الاسم يعني ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قربة { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يتّعظون.
قال ابن عباس: هذا الآيات محكمات لم ينسخهنّ شيء في جميع الكتب وهنَّ محرّمات على بني آدم كلّهم وهنّ أُمّ الكتاب مَنْ عمل بهن دخل الجنّة ومَنْ تركهن دخل النار.
قال كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إنَّ هذا لأوّل شيء في التوراة { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } الآيات.
وقال الربيع بن خيثم لأصحابه: ألا أقرأ عليكم صحيفة عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم لم يُفك فقرأ هذه الآية { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ } { وَأَنَّ هَـٰذَا } يعني وصّاكم به في هاتين الآيتين { صِرَاطِي } طريقي وديني { مُسْتَقِيماً } مستوياً قويماً { فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } يعني الطرق المختلفة التي عداها مثل اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات { فَتَفَرَّقَ } فيمتدّ وتخالف [وتشتت] { بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } عن طريقه ودين النبيّ الذي ارتضى وبها وصّى { ذٰلِكُمْ } الذي ذكرت { وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } يعني ثمّ قل يا محمد لهم آتينا موسى الكتاب، لأنّ موسى أوتي الكتاب قبل محمد عليهما الصلاة والسلام. وقيل: ثمّ بمعنى الواو لأنّهما حرفا عطف قال الشاعر:

قل لمن ساد ثمّ ساد أبوهثمّ قد ساد قبل ذلك جدّه

{ تَمَاماً } نصب على القطع، وقيل: على التفسير { عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } قال بعضهم: معناه تماماً على المحسنين. ويكون (الذي) بمعنى (من) وتقديره على الذين أحسنوا، لفظه واحد ومعناه جمع كما تقول: أُوصي بمالي للذي غزا وحجَّ يريد الغازين والحاجين.
وقال الشاعر:

شبّوا عليَّ المجد وشابوا واكتهل

يريد: واكتهلوا.
يدلّ عليه قراءة عبد الله بن مسعود (على الذين أحسنوا).
وقال أبو عبيد: معناه على كل مَنْ أحسن، ومعنى هذا القول أتممنا [طلب] موسى بهذا الكتاب، على المحسنين يعني أظهرنا فضله عليهم، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون. وقيل: معناه: ثمّ آتينا موسى الكتاب متماً للمحسنين يعني تتميماً منّا للأنبياء والمؤمنين الكتب { عَلَى } بمعنى (اللام) كما تقول أتم الله عليه فأتم له. قال الشاعر:

رعته أشهراً وخلا عليهافطار التي فيها واستعاراً

أراد: وخلا لها.
وقيل: (الذي) بمعنى (ما)، يعني آتينا موسى الكتاب تماماً على ما أحسن موسى من العلم والحكمة أي زيادة على ذلك.
وقال عبد الله بن بريدة: معناه تماماً مِنّي على مَنّي وإحساني إلى موسى، وقال ابن زيد: معناه تماماً على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم، وقال الحسن: فمنهم المحسن ومنهم المسيء فنزل الكتاب تماماً على المحسنين، وقرأ يحيى بن يعمر: على الذي أحسن، بالرفع أي على { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً } بياناً { لِّكُلِّ شَيْءٍ } يحتاج إليه من شرائع الدين { وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } هذا يعني وهذا القرآن { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ } واعملوا بما فيه { وَٱتَّقُواْ } وأطيعوا { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فلا تعذبون.