خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٥٧
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
-الأعراف

الكشف والبيان

{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } الآية قال نوف البكالي الحميري: لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله تعالى لموسى أجعل لكم في الأرض مسجداً وطهوراً تصلّون حيث أدركتكم الصلاة إلاّ عند مرحاض أو حمام أو قبر وأجعل السكينة في قلوبكم وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهور قلوبكم، يقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير.
فقال ذلك موسى لقومه فقالوا: لا نريد أن نصلي في الكنائس ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا، ولا نريد أن نقرأها إلاّ نظراً، فقال الله { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } إلى قوله { ٱلْمُفْلِحُونَ } فجعلها الله لهذه الأمة، فقال موسى: رب اجعلني نبيهم، فقال: نبيهم منهم، قال: رب اجعلني منهم، قال: إنك لن تدركهم، فقال موسى: يارب أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا فأنزل الله تعالى { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ } أنفسهم { بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } فرضي موسى، قال نوف: إلا تحمدون ربّاً حفظ غيّكم وأجزل لكم سهمكم وجعل وفادة بني إسرائيل لكم.
واختلف العلماء في معنى الأُمّي.
فقال ابن عباس: هو منكم كان أميّاً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحاسب قال الله تعالى
{ { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [العنكبوت: 48] وقال صلى الله عليه وسلم: "إنا أُمة أُميّة لا نكتب ولا نحاسب" .
وقيل: هو منسوب إلى أُمّته كأن أصله أُمتي فسقطت التاء من النسبة كما سقطت من اليكي والمدى.
وقيل: منسوب إلى أُم القرى وهي مكّة أُم القرى { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ } أي صفته ونبوّته ونعته وأمره { مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } قال عطاء بن يسار: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن.
{ { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [الأحزاب: 45] وحرزاً للأُميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتّى يقيم الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلاّ الله فيفتح به قلوباً غلفاً وآذناً صُماً وأعيناً عمياً.
قال عطاء: ثمّ لقي كعباً فسأله عن ذلك فما اختلفا حرفاً إلاّ أن كعباً قال: بلغته قلوباً غلوفياً وآذاناً صموياً وأعيناً عموميّاً.
وروى كعب في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مولده مكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال وفي كل منزلة، يُوَضِئون أطرافهم و [ويتورّون] إلى [الجهاد] وفيهم وعاة الشمس ويصلون الصلاة حيث أدركتهم ولو على ظهر الكناسة، صفهم في القول مثل صفهم في الصلاة ثمّ قرأ
{ { ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } [الصف: 4].
وقال الواقدي: حدّثني عثمان بن الضحاك عن يزيد بن [الهادي] عن ثعلبة بن مالك أن عمر بن الخطاب أنه سأل أبا مالك عن صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوراة وكان من علماء اليهود، فقال: صفته في كتاب بني هرون الذي لم يغير ولم يبدّل أحد من ولد إسماعيل بن إبراهيم ومن آخر الأنبياء وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف، يأتزر على وسطه ويغسل أطرافه في [عينيه] حمرة وبين كتفية خاتم النبوّة مثل زر الحجلة، ليس بالقصير ولا بالطويل، يلبس الشملة ويجرى بالبلغة ويركب الحمار ويمشي في الأسواق، معه حرب وقتل وسبي سيفه على عاتقه لا يبالي مَن لقي مِن الناس، معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة.
مولده بمكّة ومنشأه بها وبدء نبوّته بها ودار هجرته يثرب بين جرّة ونخل [وسبخة] وهو أُمّي لا يكتب بيده، هو بجهاد، يحمد الله على كل شدة ورخاء، سلطانه الشام، صاحبه من الملائكة جبرئيل يلقى من قومه أذىً شديداً. ويحبّونه حبّاً شديداً ثمّ يدال على قومه يحصرهم حصر [الجرين]، يكون له وقعات في يثرب، منها له ومنها عليه، ثمّ يكون له العاقبة يعدّ معه أقوام هم إلى الموت أسرع من الماء من رأس الجبل إلى أسفله، صدورهم أناجيلهم قربانهم دماؤهم ليوث النهار ورهبان بالليل يرعب منه عدوه بمسيرة شهر، يباشر القتال بنفسه حتّى يخرج ويكلم لا شرطة معه ولا حرس يحرسه.
{ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بالايمان { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } يعني الشرك، وقيل: المعروف والشريعة والسنة والمنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنّة.
وقال عطاء: يأمرهم بالمعروف وبخلع الأنداد ومكارم الأخلاق وصلة الأرحام ينهاهم عن المنكر عن عبادة الأصنام وقطع الأرحام { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } يعني الحلالات التي كانت أهل الجاهلية تحرمها: البحائر السوائب والوصائل والحوامي { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } يعني لحم الخنزير والدم والميتة والربا وغيرها من المحرمات. { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } ابن عباس والحسن والضحاك والسدي ومجاهد يعني: جهدهم الذي كان يأخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة. وقال ابن زيد وقتادة: يعني الشدائد الذي كان عليهم في الدين { وَٱلأَغْلاَلَ } يعني الأثقال { ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [بما أُمروا] به من قتل الأنفس في التوراة وقطع الأبهاء، شبّه ذلك بالأغلال كما قال الشاعر:

فليس لعهد الدار يا أم مالكولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائلسوى العدل شيئاً واستراح العواذل

فشبه حدود الإسلام وموانعه عن التخطّي إلى المحذورات بالسلاسل المحيطات بالرقاب { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ } أعانوه ووقّروه { وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } يعني القرآن { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله تعالى: { بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ }.
قال قتادة: وآياته. وقال مقاتل والسدي: يعني عيسى ابن مريم { وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ } يعني بني إسرائيل { أُمَّةٌ } جماعة { يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } أي يرشدون إلى الحق، وقيل: خلفاء يهتدون ويستقيمون عليه ويعملون به { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } أي ينصفون من أنفسهم ويحمدون.
وقال السدي: هم قوم بينكم وبينهم [قوم] من سهل.
وقال ابن جريج: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطاً تبرأ سبط منهم ممّا صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم [وبينه] ففتح الله عليم نفقاً في الأرض فساروا فيه سنة ونصف حتّى خرجوا من وراء الصين، فهم هناك حقاً مسلمون يستقبلون قبلتنا.
قال الكلبي والربيع والضحاك وعطاء: هم قوم من قبل المغرب خلف الصين على نهر من الرمل يسمى نهر أودق وليس لأحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويصبحون بالنهار ويزرعون لا يصل إليهم منّا أحدٌ ولا منهم إلينا أحدٌ وهم على الحق وذكر
"عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن جبرئيل [ذهب إليهم ليلة] أُسري به فكلّمهم فقال لهم جبرئيل: هل تعرفون مَنْ تُكلّمون؟
قالوا: لا.
قال: هذا محمدٌ النبيّ فآمنوا به، وقالوا: يا رسول الله إنّ موسى أوصانا أن من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه منّي السلام.
فردّ محمد صلى الله عليه وسلم على موسى: فعليه السلام، ثمّ أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فأمرهم بالصلاة والزكاة وأمرهم أن يُقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمعوا وأن يتركوا السبت"
.