خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
١٦٣
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
١٦٤
فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
-الأعراف

الكشف والبيان

{ وَسْئَلْهُمْ } واسأل يامحمد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك سؤال تقرير وتوبيخ { عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } أي بقربه وعلى شاطئه، واختلفوا فيها فروى عكرمة عن ابن عباس قال: هي قرية يقال لها ايلديس مدين والطور.
وروى عليّ بن أبي طلحة عنه فقال: هي قرية على شاطئ البحر من مصر والمدينة يقال لها: ايله وقال ابن زيد: هي قرية يقال لها: مقنى بين مدين وعينونا، وقيل: هي الطبريّة { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أي يتجاوزون أمر الله وقرأ أبو نهيك إذ تعدون بضم الياء وكسر العين بتثقيل الدال من الأعداد يريد [يهيبون] الآلة لأخذها.
وقرأ ابن السميقع: في الاسبات، على جمع السبت { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً } قرأ ابن عبد العزيز يوم إسباتهم شرعاً الى [شراع] ظاهرة على الماء كثيرة، وقال الضحاك: متتابعة { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ } أي لا يفعلون السبت. يقال سبت يسبت سبتاً وسبوتاً إذا أعظم السبت.
وقرأ الحسن: يُسبتون بضم الياء أي يدخلون في السبت كما يقال أجمعنا وأشهرنا أي دخلنا في الجمعة والشهر { لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم } نختبرهم { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } وسمعت الحسن بن محمد بن الحسن سمعت إبراهيم بن [محارب] بن إبراهيم سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل هل تجد في كتاب الله الحلال لا [يأتيك] إلاّ قوتاً والحرام يأتيك جزفاً جزفاً؟ قال: نعم، في قصّة داود وتأويله: { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ }.
قال عكرمة: جئت ابن عباس يوماً فإذا هو يبكي ووضع المصحف في حجرة فقلت: مايُبكيك جعلني الله فداك. قال: هؤلاء الورقات فإذا هو في سورة الأعراف، فقال: تعرف الآية؟ قلت: نعم، قال: فإنّه كان بها حي من اليهود في زمن داود حرم عليهم الحيتان في السبت، وذلك أنّ اليهود أمروا باليوم الذي أمرتهم به يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت فابتلوا به وحرّم عليهم فيه الصيد فأمروا بتعظيمه إن أطاعوا لم يؤجروا وإن عصوا عذبوا، وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاء سماناً كأنها الماخض تنتطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم حتّى لا يرى الماء من كثرتها ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فكانوا كذلك برهة من الدهر.
ثمّ إنّ الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فأتّخذوا الحياض وكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة [فتسقي] فيها ولا يمكنها الخروج منها لقلة الماء فيأخذونها يوم الأحد.
وقال ابن زيد: كانوا قد قرّبوا بحب الحيتان وكان في غير يوم السبت لا تأتيهم حوت واحد فأخذ رجل منهم حوتاً فربط في ذنبه خيطاً فأخذه وشواه فوجد جار له ريح الحوت. فقال له: يا فلان أنا أجد في بيتك ريح نون، قال: لا فتطلع في تنوره فإذا هو فيه فقال: إني أرى الله سيعذّبك، فلما لم يره عذب ولم يعجل عليهم بالعذاب أخذ في السبت الأُخرى حوتين اثنين.
فلما رأوا أن العذاب لا يعاجلهم أكلوا وملحوا وباعوا وأثروا وكثر مالهم، وكانوا نحواً من سبعين ألف، فصارت أهل القرية [ثلاثاً]: ثلث نُهوا وكانوا نحواً من اثني عشر ألفاً وثلث قالوا: لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم، وثلث أصحاب الخطيئة، فلما لم ينتهوا قال المسلمون: لا [نسألهم] فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود (عليه السلام) فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: إن للناس شأناً لعل الخمر غلبتهم فعلوا على الجدار فنظروا فإذا بهم قردة ففتحوا الباب ودخلوا عليهم وعرفت القردة [أنسابها] من الأنس. ولا تعرف الأنس أنسابهم من القرود. فجعلت القردة تأتي نسيبها من الأنس وتشم ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم؟ فتقول برأسها: نعم.
قال قتادة: صار الشبان قردة والشيوخ خنازير فما نجا إلاّ الذين نهوا وهلك سائرهم.
واختلف العلماء في الفرقة الذين قالوا: (لِمَ تعظون قوماً) كانت من الناجية أو من الهالكة؟ فقال بعضهم: كانت من الناجية لأنّها كانت من الناهية.
وقال آخرون: كانت من الفرقة الهالكة، لأنّهم كانوا من الخاطئة وذلك أنهم لما نهوا وقالوا لهم انتهوا عن هذا العمل قبل أن ينزل بكم العذاب فإنّا قد علمنا أن الله تعالى منزل عليكم بأسه إن لم تنتهوا قالوا لهم { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } إذ علمتم أنّ الله معذبهم { أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } أي هذه معذرة، وقرأ حفص: معذرة أي يفعل ذلك معذرة { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } صيد الحيتان والصواب أنها كانت من الفرقة الناجية وأن هذا الكلام من قول المؤمنين بعضهم لبعض لأنّه لو كان الخطاب للمعتدين لقالوا: ولعلكم تتّقون يدلّ عليه قول يمان بن رئاب نحن الطائفتان اللذان قالوا { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } والذين قالوا { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } فأهلك الله أهل المعصية الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة وخنازير.
وقال ابن عباس: ليت شعري ما فعل هؤلاء الذين قالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } قال عكرمة: فقلت له: جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } فلم أزل به حتّى عرّفته أنهم قد نجوا فكساني حلّة.
{ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } تركوا ما وعظوا به { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ } أي المعصية { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي عاقبنا باعتدائهم في السبت واستحلالهم ما حرم الله { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } شديد وجيع من البأس وهو الشدة والفعل منه بَؤس يبَئوسُ، فاختلف القراء فيها فقرأ أهل المدينة بِيْس بكسر الباء وجزم الياء من غير همزة على وزن فعل، وقرأ ابن عامر كذلك على وزن فِعْل إلاّ أنّه الهمزة.
وقرأ عاصم: في رواية أبي بكر: بَيْئس بفتح الباء وجزم الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل مثل صيقل ويثرب.
كما قال الشاعر:

كلاهما كان رئيساً بيئسايضرب في الهيجاء منه القونسا

وقرأ بعضهم: بَيئِس بفتح الباء وكسر الهمزة على وزن فعل مثل [حذر] كقول ابن قيس الرقيات:

ليتني ألقى رقيّة فيخلوة من غير ما بيئس

وقرأ الحسن: بكسر الباء وفتح السين على معنى بيئس العذاب.
وقرأ مجاهد: بايئس على وزن فاعل وقرأ أبو أياس بفتح الباء والياء من غير همزة.
وقرأ نصر بن عاصم: بيئس بفتح الباء وكسر الياء مشدداً من غير همزة.
وقرأ بعض أهل مكة بئيس بكسر الياء والهمزة كما يقال: بعر للبعير. وقال أهل اللغة: كل فعل ثانية أحد حروف الحلق فإنّه يجوز كسر أوّله مثل بِعير وصغير ورحيم و[حميم] وبخيل، وقرأ الباقون بئيس على وزن فعيل وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لأن فعيلاً أشبهه بصفات [التعريف] كقول ذي الاصبع العدواني:

لقد رأيت بني أبيكمحمجين إليك شوساً
حنقاً عليّ ولن ترىلي فيهم أثراً بئيساً

وقوله { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } قال ابن عباس: أبوا أن يرجعوا عن المعصية { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } صاغرين. قال سعيد بن جبير: رأى موسى (عليه السلام) رجلاً يحمل قصباً يوم السبت فضرب عنقه، أبو روق: الخاسئون الذين لا يتكلّمون.
وقال المؤرخ مبعدين كما بَعُد الكلاب. قال ابن عباس: [مكثوا] ثلاث أيام ينظر إليهم الناس ثمّ هلكوا ولم يتوالدوا ولم يتناسلوا ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام.
قال مقاتل: عاشوا سبعة أيام يعرف الكبير بكبره والصغير بصغره، ثمّ ماتوا.
وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله لم يمسخ شيئاً فجعل له نسلاً وعاقبه" .