خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
-يونس

الدر المصون

قوله تعالى: { ضِيَآءً }: إمَّا مفعولٌ ثانٍ على أَنَّ الجَعْلَ للتصيير، وإمَّا حالٌ على أنه بمعنى الإِنشاء. والجمهور على "ضياء" بصريح الياء قبل الألف، وأصلُها واو لأنه من الضوء. وقرأ قنبل عن ابن كثير هنا وفي الأنبياء والقصص "ضِئاءً" بقلب الياء همزة، فتصير ألف بين همزتين. وأُوِّلت على أنه مقلوبٌ قُدِّمت لامُه وأُخِّرت عينه فوقعت الياء طرفاً بعد ألف زائدة فقلبت همزة على حَدِّ "رداء". وإن شئت قلتَ: لمَّا قُلِبت الكلمة صار "ضياواً" بالواو، عادت العين إلى أصلها مِن الواو لعدم موجِبِ قَلْبِها ياءً وهو الكسرُ السابقُها، ثم أُبْدلت الواوُ همزةً على حَدِّ كساء. وقال أبو البقاء: "إنها قُلبت ألفاً ثم قُلِبت الألفُ همزةً لئلا تجتمعَ ألفان".
واستُبْعِدت هذه القراءة من حيث إن اللغةَ مبنيَّة على تسهيلِ الهمزِ فكيف يَتَخَيَّلون في قَلْب الحرفِ الخفيف إلى أثقلَ منه؟ قلت: لا غَرْو في ذلك، فقد قلبوا حرف العلةِ الألف والواو والياء همزة في مواضع لا تُحصرُ إلا بعُسْرٍ، إلا أنه هنا ثقيلٌ لاجتماع همزتين. قال أبو شامة: "وهذه قراءة ضعيفةٌ، فإن قياسَ اللغة الفِرارُ من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما، فكيف يُتَخَيَّل بتقديم وتأخيرٍ يؤدي إلى اجتماع همزتين لم يكونا في الأصل؟ هذا خلافُ حكم اللغة.".
وقال أبو بكر ابن مجاهد ـ وهو ممَّن على قنبل ـ: "ابنُ كثير وحدَه "ضِئاء" بهمزتين في كل القرآن: الهمزة الأولى قبل الألف، والثانية بعدها، كذلك قَرَأْتُ على قنبل وهو غلط، وكان أصحاب البزي وابن فليح يُنْكرون هذا ويَقْرؤون "ضياء" مثلَ الناس". قلت: كثيراً ما يتجرأ أبو بكر على شيخه ويُغَلِّطه، وسيمُّر بك مواضعُ من ذلك، وهذا لا ينبغي أن يكون، فإنَّ قُنْبُلاً بالمكان الذي يَمنع أن يتكلَّمَ فيه أحد.
وقوله في جانب الشمس "ضياء" لأن الضوء أقوىٰ من النور، وقد تقدَّم ذلك في أول البقرة. و "ضياء ونوراً" يُحْتمل أن يكونا مصدرين، وجُعِلا نفسَ الكوكبين مبالغةً، أو على حَذْف مضاف أي: ذات ضياء وذا نور. وضياء يحتمل أن يكونَ جمع "ضوء" كسَوْط وسِياط، وحَوْض حياض.
و "منازل" نُصِب على ظرف المكان، وجعله الزمخشري على حذف مضاف: إمَّا من الأول أي: قَدَّره مَسيره، وإمَّا من الثاني أي: قدَّره ذا منازل، فعلى التقدير الأول يكون "منازل" ظرفاً كما مر، وعلى الثانى يكون مفعولاً ثانياً على تضمين "قَدَّر" معنىٰ: صَيَّره ذا منازل بالتقدير. وقال الشيخ بعد أن ذكرَ التقديرين، ولم يَعْزُهما للزمخشري: "أو قدَّر له منازل، فحذفَ، وأوصل الفعل إليه فانتصب بحسب هذه التقاديرِ عل الظرف أو الحال أو المفعول كقوله:
{ وَٱلْقَمَرَ / قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } [يس: 39] وقد سبقَه إلى ذلك أبو البقاء أيضاً.
والضمير في "قَدَّرناه" يعود على القمر وحده؛ لأنه هو عمدةُ العربِ في تواريخهم. وقال ابن عطية: "ويُحتمل أن يريدهما معاً بحسب أنهما يتصرَّفان في معرفة عدد السنين والحساب، لكنه اجتُزِىءَ بذِكْر أحدهما كقوله تعالى:
{ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] وكما قال الشاعر:

2572 ـ رماني بأمرٍ كنتُ منه ووالدي بريئاً ومِنْ أجل الطَّوِيِّ رماني