خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ
٤٣
-هود

الدر المصون

قوله تعالى: { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ }: فيه أقوالٌ، أحدها: أنه استثناءٌ منقطع، وذلك أن تَجْعَلَ عاصماً على حقيقته، ومَنْ رَحِم هو المعصوم، وفي "رَحِم" ضميرٌ مرفوعٌ يعود على اللَّه تعالىٰ، ومفعولُه ضميرُ الموصولِ وهو "مَنْ" حُذِف لاستكمالِ الشروط، والتقدير: لا عاصمَ اليومَ البتةَ مِنْ أمر اللَّه، لكن مَنْ رَحِمه اللَّه فهو معصوم. الثاني: أن يكونَ المرادُ بـ"مَنْ رَحِم" هو الباري تعالى كأنه قيل: لا عاصمَ اليومَ إلا الراحمَ. الثالث: أن عاصماً بمعنى مَعْصوم، وفاعِل قد يجيءُ بمعنىٰ مفعول نحو: ماء دافق، أي: مدفوق، وأنشدوا:

2666 ـ بطيءُ القيامِ رخيمُ الكلا مِ أَمْسى فؤادي به فاتِنا

أي مفتوناً، و "مَنْ" مرادٌ بها المعصومُ، والتقدير: لا معصومَ اليومَ مِنْ أَمْرِ اللَّه إلا مَنْ رحمه اللَّه فإنه يُعْصَم. الرابع: أن يكون "عاصم" هنا بمعنى النَّسَب، أي: ذا عِصْمة نحو: لابن وتامر، وذو العصمة ينطلق على العاصم وعلى المعصوم، والمرادُ به هنا المَعْصوم.
وهو على هذه التقاديرِ استثناءٌ متصلٌ، وقد جعله الزمخشري متصلاً لمَدْرك آخرَ، وهو حذفُ مضافٍ تقديرُه: لا يعصمك اليومَ معتصِمٌ قط مِنْ جبلٍ ونحوِه سوى معتصمٍ واحد، وهو مكان مَن رحمهم اللَّه ونجَّاهم، يعني في السفينة".
وأمَّا خبرُ "لا" فالأحسنُ أن يُجْعل محذوفاً، وذلك لأنه إذا دلَّ عليه دليلٌ وَجَبَ حذفُه عند تميم، وكَثُر عند الحجاز، والتقدير: لا عاصمَ موجودٌ. وجَوَّز الحوفي وابن عطية أن يكون خبرُها هو الظرف وهو اليوم. قال الحوفي: "ويجوز أن يكونَ "اليوم" خبراً فيتعلَّق قالاستقرار، وبه يتعلق { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }. وقد رَدَّ أبو البقاء ذلك فقال: "فأمَّا خبرُ "لا" فلا يجوز أن يكونَ "اليوم"؛ لأنَّ ظرفَ الزمان لا يكون خبراً عن الجثة، بل الخبر { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } و "اليوم" معمولُ { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }.
وأمَّا "اليومَ" و { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } فقد تَقدَّم أن بعضهم جَعَل أحدَها خبراً، فيتعلَّقُ الآخر بالاستقرار الذي يتضمنَّه الواقعُ خبراً. ويجوز في "اليوم" أن يتعلَّقَ بنفس { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } لكونِه بمعنىٰ الفعل. وجَوَّز الحوفي أن يكون "اليوم" نعتاً لـ"عاصم"، وهو فاسدٌ بما أفسدَ بوقوعِه خبراً عن الجثث.
وقُرىء { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } مبنياً للمفعول، وهي مقويةٌ لقولِ مَنْ يَدَّعي أنَّ "مَنْ رَحِم" في قراءة العامة المرادُ به المرحوم لا الراحم، كما تقدَّم تأويلُه. ولا يجوز أن يكون "اليوم" ولا { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } متعلِّقين بـ"عاصم" وكذلك الواحد منهما؛ لأنه كان يكون الاسمُ مطوَّلاً، ومتى كان مطوَّلاً أُعْرِبَ، ومتى أُعرب نُوِّن، ولا عبرةَ بخلاف الزجاج: حيث زعم أن اسمَ "لا" معربٌ حُذِفَ تنوينُه تخفيفاً.