خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٠
-النحل

الدر المصون

قوله تعالى: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ }: في خبر "إنَّ" هذه ثلاثةُ أوجهٍ، إنه قولُه { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }، و { إِنَّ رَبَّكَ } الثانيةُ واسمُها تأكيدٌ للأولى واسمِها، فكأنه قيل: ثم إنَّ ربَّك إنَّ ربَّك لغفورٌ رحيم، وحينئذٍ يجوز في قولِه "للذين" وجهان: أن يتعلَّقَ بالخبرين على سبيل التنازعِ، أو بمحذوفٍ على سبيلِ البيان كأنه قيل: الغُفرانُ والرحمةُ للذين هاجرُوا. الثاني: أن الخبرَ هو نفسُ الجارِّ بعدها كما تقول: إنَّ زيداً لك، أي: هُوَ لك لا عليك بمعنى هو ناصرُهم لا خاذِلُهم، قال معناه الزمخشريُّ [ثم قال "كما يكون المَلِكُ للرجل لا عليه، فيكون مَحْمِيَّاً مَنْفُوْعاً].
الثالث: أن خبرَ الأولى مستغنى عنه بخبر الثانية،/ يعني أنه محذوفٌ لفظاً لدلالةِ ما بعده عليه، وهذا معنى قولِ أبي البقاء: "وقيل: لا خبرَ لـ "إنَّ" الأولى في اللفظ؛ لأنَّ خبرَ الثانيةِ أغنى عنه" وحينئذٍ لا يَحْسُنُ رَدُّ الشيخِ عليه بقوله: "وهذا ليس بجيدٍ أنه أَلْغَى حكمَ الأولى، وجَعَلَ الحكمَ للثانيةِ، وهو عكسُ ما تقدَّمَ ولا يجوز".
قولِه: { مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } قرأ ابنُ عامر "فَتَنوا" مبنياً للفاعل، أي: فَتَنُوا أَنْفُسَهم، فإن عاد الضميرُ على المؤمنين فالمعنى: فَتَنُوا انفسَهم بما أَعْطَوا المشركين من القولِ ظاهراً، أو أنهم لَمَّا صبروا على عذابِ المشركين فكأنهم فَتَنُوا أنفسَهم، وإنْ عاد على المشركين فهو واضحٌ، أي: فتنُوا المؤمنين.
والباقون "فُتِنُوا" مبنياً للمفعول. والضميرُ في "بعدها" للمصادرِ المفهومةِ من الأفعالِ المتقدمةِ، أي: مِنْ بعد الفتنةِ والهجرةِ والجهادِ والصبرِ. وقال ابن عطية: "عائدٌ على الفتنةِ أو الفَعْلة أو الهجرة أو التوبة".