قوله تعالى: { وَمَا بِكُم }: يجوز في "ما" وجهان، أحدهما: أن تكونَ موصولةً، والجارُّ صلتُها، وهي مبتدأٌ، والخبرُ قولُه { فَمِنَ ٱللَّهِ } والفاءُ زائدةٌ في الخبر لتضمُّنِ الموصولِ معنى الشرطِ، تقديره: والذي استقرَّ بكم. و { مِّن نِّعْمَةٍ } بيان للموصول. وقدَّر بعضُهم متعلِّق "بكم" خاصَّاً فقال: "وما حَلَّ بكم أو نزل بكم" وليس بجيدٍ؛ إذ لا يُقَدَّرُ إلا كونٌ مطلقٌ.
والثاني: أنها شرطية، وفعلُ الشرطِ بعدها محذوفٌ وإليه نحا الفراء، وتبعه الحوفيُّ وأبو البقاء. قال الفراء: "التقدير: وما يكنْ بكم". وقد رُدَّ هذا بأنه لا يُحْذَفُ فعلٌ إلا بعد "إنْ" خاصةً، في موضعين، أحدُهما: أن يكون في باب الاشتغال نحو: { { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ } [التوبة: 6] لأنَّ المحذوفَ في حكمِ المذكورِ. والثاني: أن تكونَ "إنْ" متلوَّةً بـ "لا" النافية، وأنْ يَدُلَّ على الشرطِ ما تقدَّمه من الكلامِ كقوله:
2982- فطلِّقْها فَلَسْتَ لها بكُفْءٍ وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَك الحُسامُ
أي: وإن لا تُطَلِّقْها، فَحَذَفَ لدلالةِ قوله "فَطَلِّقْها" عليه فإن لم توجَدْ "لا" النافيةُ، أو كانت الأداةُ غيرَ "إنْ" لم يُحْذَفْ إلا ضرورةً، مثالُ الأول:
2983- قالَتْ بناتُ العمِّ يا سَلْمَى وإنْ كان غنياً مُعْدِماً قالت: وإنْ
أي: وإن كان غنياً رَضِيْتُه. ومثالُ الثاني:
2984- صَعْدَة نابتةٌ في حائرٍ اَيْنَما الريحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ
وقول الآخر:
2985- فمتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو ه وتُعْطَفْ عليه كأسُ الساقي
قوله: { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } الفاءُ جوابُ "إذا". والجُؤار رَفْعُ الصوتِ، قال رؤبة يصفُ راهباً./
2986- يُراوِحُ مِنْ صلواتِ المَلِيـ ـكِ طَوْراً سُجوداً وطَوْراً جُؤاراً
ومنهم مَنْ قَيَّده بالاستغاثة، وأنشد الزمخشري:
2987- جَآَّرُ ساعاتِ النيامِ لربِّه ..........................
وقيل: الجُؤَار كالخُوار، جَأَر الثورُ وخارَ واحد، إلا أنَّ هذا مهموزُ العين وذلك معتلُّها. وقال الراغب: "جَأَر إذا أفرط في الدعاء والتضرع، تشبيهاً بجُؤَارِ الوَحْشِيَّات".
وقرأ الزهري: "تَجَرون" بحذفِ الهمزةِ وإلقاء حركتها على الساكنِ قبلَها، كما قرأ نافع "رِدَّاً" في "رِدْءاً".