خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً
١٤
-الإسراء

الدر المصون

قوله تعالى: { ٱقْرَأْ }: على إضمارِ القولِ، أي: يُقال له: اقرأْ، وهذا القولُ: إمَّا صفةٌ أو حالٌ كما في الجملةِ قبله.
قوله/ { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ } فيه ثلاثةُ أوجهٍٍ، المشهورُ عند المُعْرِبين: أنَّ "كفى" فعلٌ ماضٍ، والفاعلُ هو المجرورُ بالباء، وهي فيه مزيدةٌ، ويَدُلُّ عليه أنها حُذِفت ارتفع، كقوله:

3038- ويُخْبرني عن غائبٍ المَرْءِ هَدْيُه كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ مُخْبِرا

وقولِ الآخر:

3039- ......................... كَفَى الشيبُ والإِسلامُ للمرءِ ناهيا

وعلى هذا فكان ينبغي أن يُؤَنَّثَ الفعلُ لتأنيث فاعلِه، وإن كان مجروراً كقوله: { { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ } [الأنبياء: 6] و { { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ } [الأنعام: 4]. وقد يقال: إنه جاء على أحد الجائزين فإن التأنيثَ مجازيٌّ. والثاني: أنَّ الفاعلَ/ ضميرُ المخاطبِ، و"كفى" على هذا اسمُ فعلٍ أمرٍ، أي: اكْتَفِ، وهو ضعيفٌ لقَبولِ "كَفَى" علاماتِ الأفعالِ. الثالث: أنَّ فاعلَ "كَفَى" ضميرٌ يعودُ على الاكتفاء، وقد تقدَّم الكلامُ على هذا مستوفى. و"اليومَ" نصبٌ بـ "كفى".
قوله: "حَسِيْبا" فيه وجهان، أحدُهما: أنه تمييزٌ. قال الزمخشري: "وهو بمعنى حاسِب، كضَرِيْب القِداح بمعنى ضاربها، وصَرِيْم بمعنى صارِم، ذكرهما سيبويه، و"على" متعلقةٌ به مِنْ قولك: حَسِب عيله كذا، ويجوز أن يكونَ بمعنى الكافي ووُضِع موضعَ الشهيد، فعُدِّي بـ "على" لأنَّ الشاهدَ يكفي المُدَّعي ما أهمَّه. فإن قلت: لِمَ ذَكَرَ "حسيباً"؟ قلت: لأنَّه بمنزلةِ الشاهدِ والقاضي والأمين، وهذه الأمور يَتَوَلاَّها الرجالُ فكأنَّه قيل: كفى بنفسِك رجلاً حسيباً، ويجوز أًنْ تُتَأَوَّلَ النفسُ بمعنى الشخصِ، كما يقال: ثلاثة أنفس". قلت: ومنه قولُ الشاعر:

3040- ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ لقد جارَ الزمانُ على عيالي

والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ، وذُكِرَ لِما تقدَّم. وقيل: حَسِيب بمعنى مُحاسِب كخَلِيط وجَلِيس بمعنى: مُخالِط ومُجالس.