خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
٢٣
-الإسراء

الدر المصون

قوله تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ }: يجوز أَنْ تكونَ "أنْ" مفسِّرةً؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القول، و"لا" ناهيةٌ. ويجوز أَنْ تكونَ الناصبةَ، و"لا" نافيةٌ، أي: بأنْ لا، ويجوزُ أن تكونَ المخففةَ، واسمُها ضميرُ الشأن، و"لا" ناهيةٌ أيضاً، والجملةُ في مثل هذا إشكالُ: من حيث وقوعُ الطلبِ خبراً لهذا الباب. ومثلُه في هذا الإشكالِ قولُه: { { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } [النمل: 8]، وقوله: { { أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ } [النور: 9] لكونِه دعاءً وهو طَلَبٌ أيضاً، ويجوز أَنْ تكونَ الناصبةَ و"لا" زائدة. قال أبو البقاء: ويجوز أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ، [أي:] أَلْزَمَ ربُّك عبادَته و"لا" زائدةٌ". قال الشيخ: "وهذا وهمٌ لدخولِ "إلا" على مفعولِ "تَعْبدوا" فَلَزِم أن يكونَ نَفْياًً أو نهياً".
وقرأ الجمهور "قَضَى" فعلاً ماضياً، فقيل: هي على موضوعِها الأصلي: قال ابنُ عطية: "ويكون الضمير في "تَعْبُدوا" للمؤمنين من الناسِ إلى يومِ القيامةِ" وقيل: هي بمعنى أَمَر. وقيل: بمعنى أَوْحَى، وقيل: بمعنى حَكَم، وقيل: بمعنى أَوْجَبَ أو ألزم.
وقرأ بعضُ وَلَد معاذِ بن جَبَل "وقضاء"/ اسماً مصدراً مرفوعاً بالابتداء، و { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } خبرُه.
قوله: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } قد تقدَّم نظيرُه في البقرة. وقال الحوفي: الباءُ متعلقةٌ بـ "قضى"، ويجوز أن تكونَ متعلقةً بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: واَوْصى بالوالدين إحساناً، وإحساناً مصدر، أي: يُحْسِنون بالوالدين إحساناً".
وقال الواحديُّ: "الباءُ مِنْ صلة الإِحسانِ فَقُدِّمَتْ عليه كما تقول: بزيدٍ فانْزِلْ". وقد مَنَعَ الزمخشريُّ هذا الوجهَ قال: "لأنَّ المصدرَ لا يتقدَّم عليه معمولُه". قلت: والذي ينبغي أن يُقال: إن هذا المصدرَ إنْ عَنَى به أنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفِعْلٍ فالأمرُ على ما ذَكَرَ الزمخشريُّ، وإن كان بدلاً مِنَ اللفظ بالفعلِ فالأمرُ على ما قال الواحديُّ، فالجوازُ والمنعُ بهذين الاعتبارين.
وقال ابنُ عطية: "قوله وبالوالدَيْن إحساناً عطف على "أنْ" الأولى، أي: أَمَر اللهُ أَنْ لا تعبدوا إلا إياه، وأن تُحْسِنوا بالوالدَيْن إحساناً". واختار الشيخُ أَنْ يكون "إحساناً" مصدراً واقعاً موقعَ الفعلِ، وأنَّ "أنْ" مفسرةٌ، و"لا" ناهيةٌ. قال: فيكون قد عَطَفَ ما هو بمعنى الأمرِ على نَهْيٍ كقولِه:

3044- ....................... يقولون: لا تَهْلِكْ أَسَىً وتَجَمَّلِ

قلت: وأَحْسَنَ" و"أساء" يتعدِّيان بـ إلى وبالباء. قال تعالى: { { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ } [يوسف: 100] وقال كثِّير عَزِّة:

3045- أسِيْئي بنا أو أَحْسِنِي لا مَلومةٌ .......................

وكأنه ضُمِّن "أَحْسَن" لمعنى "لَطُف" فتعدَّى تعديتَه.
قوله: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ } قرأ الأخَوان "يَبْلُغانِّ" بألفِ التثنيةِ قبل نونِ التوكيدِ المشدَّدةِ المكسورةِ، والباقون دونَ ألفٍ وبفتحِ النون. فأمَّا القراءةُ الأولى ففيها أوجهٌ، أحدها: أن الألفَ ضميرُ الوالدين لتقدُّم ذكرهما، و"أَحَدُهما" بدلٌ منه، و"أو كِلاهما" عطفٌ عليه. وإليه نحا الزمخشريُّ وغيرُه. واستشكله بعضُهم بأنَّ قولَه "أحدُهما" بدلُ بعضٍ مِنْ كل، لا كلٍّ من كل، لأنه غيرُ وافٍ بمعنى الأول، وقوله بعد ذلك "أو كِلاهما" عطفٌ على البدلِ، فيكونُ بدلاً، وهو مِنْ بدل الكلِّ من الكل؛ لأنه مرادفٌ لألف التثنية. لكنه لا يجوز أن يكونَ بدلاً لعُرُوِّه عن الفائدة؛ إذ المستفادُ من ألفِ التثنيةِ هو المستفادُ مِنْ "كِلاهما" فلم يُفِدِ البدلُ زيادةً على المبدلِ منه.
قلت: هذا معنى قولِ الشيخِ. وفيه نظرٌ؛ إذ لقائلٍ أن يقول: مُسَلَّمٌ أنه لم يُفِدِ البدلُ زيادةً على المبدلِ منه، لكنه لا يَضُرُّ لأنه شانُ التأكيد، ولو أفاد زيادةً أخرى غيرَ مفهومةٍ من الأولِ كان تأسيساً لا تأكيداً. وعلى تقدير تسليمِ ذلك فقد يُجابُ عنه بما قال ابنُ عطية فإنه قال بعد ذِكْره هذا الوجهَ "وهو بدلٌ مُقَسَّمٌ كقولِ الشاعرِ:

3045- وكنت كذي رِجْلَيْنِ رجلٍ صحيحةٍ ورِجْلٍ رَمَى فيها الزمانُ فَشَلَّتِ

إلا أنَّ الشيخ تعقَّب كلامَه فقال: "أمَّا قولُه بدلٌ مُقَسِّمٌ كقوله: "وكنتُ...." فليس كذلك؛ لأنَّ شرطََه العطفُ بالواو، وأيضاً فشرطُه: ان لا يَصْدُقَ المُبْدَلُ منه على أحدِ قِسْميه، لكنْ هنا يَصْدُقُ على أحدِ قسمَيْه، ألا ترى أنَّ الألفَ وهي المبدلُ منه يَصْدُقُ على أحدِ قِسْمَيْها وهو "كلاهما" فليس من البدلِ المقسِّم". ومتى سُلِّم له الشرطان لزم ما قاله.
الثاني: أن الألفَ ليست ضميراً بل علامةُ تثنيةٍ و"أحدُهما" فاعلٌ بالفعلِ قبلَه، و"أو كلاهما" عطفٌ عليه. وقد رُدَّ هذا الوجهُ: بأن شرطَ الفعلِ المُلْحَقِ به علامة تثنيةٍ أن يكون مسنداً لمثنَّى نحو: قاما أخواك، أو إلى مُفَرَّق بالعطف بالواو خاصةً على خلاف فيه نحو: "قاما زيد وعمرو"، لكنَّ الصحيحَ جوازُه لورودِه سماعاً كقوله:

3046- ....................... وقد أَسْلماه مُبْعَدٌ وحميم

والفعلُ هنا مسندٌ إلى "أحدُهما" وليس مثنى ولا مفرَّقاً بالعطف بالواوِ.
الثالث: نُقِل عن الفارسيِّ أنَّ/ "كلاهما" توكيدٌ، وهذا لا بدَّ من إصلاحِه بزيادةٍ، وهو أن يُجْعَلَ "أحدُهما" بدلَ بعضٍ من كل، ويُضْمَرَ بعدَه فعلٌ رافعٌ لضمير تثنية، ويقع "كلاهما" توكيداً لذلك الضميرِ تقديرُه: أو يَبْلُغا كلاهما، إلا أنَّ فيه حَذْفَ المؤكَّد وإبقاءَ التوكيد، وفيها خلافٌ، أجازها الخليل وسيبويه نحو: "مررت بزيدٍ ورأيت أخاك أنفسهما" بالرفع والنصب، فالرفعُ على تقديرِ: هما أنفسُهما، والنصبُ على تقدير أَعْنِيهما أنفسَهما، ولكنْ في هذا نظرٌ: من حيث إن المنقولَ عن الفارسيِّ مَنَعَ حَذْفَ المؤكَّد وإبقاءَ توكيدِه، فكيف يُخَرَّجُ قولُه على أصلٍ لا يُجيزُه؟
وقد نصَّ الزمخشريُّ على مَنْعِ التوكيدِ فقال: فإنْ قلت: لو قيل: "إمَّا يَبْلُغانِّ كلاهما" كان "كلاهما" توكيداً لا بدلاً، فما لكَ زَعَمْتَ أنه بدلٌ؟ قلت: لأنَّه معطوفٌ على ما لا يَصِحُّ أن يكون توكيداً للاثنين، فانتظم في حكمِه، فوجَبَ أن يكونَ مثلَه". قلت: يعني أنَّ "أحدُهما: لا يَصْلُحُ أن يقعَ توكيداً للمثنى ولا لغيرِهما، فكذا ما عُطِفَ عليه لأنه شريكُه.
ثم قال: "فإنْ قلتَ: ما ضَرَّك لو جَعَلْتُه توكيداً مع كونِ المعطوفِ عليه بدلاً، وعَطَفْتَ التوكيدَ على البدل؟ قلت: لو أريد توكيدُ التثنيةِ لقيل: "كلاهما" فحسبُ، فلمَّا قيل: "أحدهما أو كلاهما" عُلِمَ أنَّ التوكيدَ غيرُ مرادٍ فكان بدلاً مثلَ الأول".
الرابع: أَنْ يرتفعَ "كلاهما" بفعلٍ مقدَّر تقديرُه: أو يبلغُ كلاهما، ويكون "إحداهما" بدلاً من ألفِ الضمير بدلَ بعضٍ من كل. والمعنى: إمَّا يَبْلُغَنَّ عندك أحدُ الوالدَيْن أو يبلُغُ كلاهما.
وأمَّا القراءةُ الثانية فواضحةٌ، و"إن ما": هي "إنْ" الشرطية زِيْدَتْ عليها "ما" توكيداً، فَأُدْغِم أحدُ المتقاربين في الآخر بعد ان قُلب إليه، وهو إدغامٌ واجب. قال الزمخشري: "هي إنْ الشرطيةُ زِيْدَتْ عليها "ما" توكيداً لها ولذلك دَخَلَتْ النون، ولو أُفْرِدَتْ "إنْ" لم يَصِحُّ دخولُها، لا تقول: إن تُكْرِمَنَّ زيداً يُكْرِمْكَ، ولكن: إمَّا تُكْرِمنَّه.
وهذا الذي قاله أبو القاسم نصَّ سيبويهِ على خلافِه، قال سيبويه: "وإن شِئْتَ لم تُقْحِمِ النونَ، كما أنك إن شِئْتَ لم تَجِيءْ بـ "ما". قال الشيخ: "يعني مع النون وعَدَمِها". وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ سيبويه إنما نصَّ على أن نونَ التوكيد لا يجبُ الإِتيانُ بها بعد "أمَّا"، وإن كان أبو إسحاقَ قال بوجوبِ ذلك. وقوله بعد ذلك "كما أنَّك إنْ شِئْتَ لم تجيءْ بـ "ما"، ليس فيه دليلٌ على جوازِ توكيدِ الشرط مع إنْ وحدها.
و"عندك" ظرفٌ لـ"يَبْلُغَنَّ" و"كِلا" مثنَّاةٌ معنىً من غيرِ خلافٍ، وإنما اختلفوا في تثنيتِها لفظاً: فمذهبُ البصريين أنها مفردةٌ لفظاً، ووزنُها على فِعَل كـ"مِعَى" وألفُها منقلبةٌ عن واوٍ بدليل قلبِها تاءً في "كِلْتا" مؤنثَ "كِلا" هذا هو المشهور. وقيل: ألفُها عن ياء وليس بشيءٍ. وقال الكوفيون - وتبعهم السهيليُّ مستدلِّين على ذلك بقوله:

3047- في كلتِ رِجْلَيْها سُلامى واحدَه .......................

فَنَطَق بمفرِدها-: هي مثنَّاة لفظاً، ولذلك تُعْرَبُ بالألفِ رفعاً والياء نصباً وجراً، فألفُها زائدةٌ على ماهية الكلمة كألف "الزيدان"، ولامُها محذوفةٌ عند السهيليِّ، ولم يأتِ عن الكوفيين نَصٌّ في ذلك، فاحتمل أن يكونَ الأمرُ كما قال السهيليُّ، وأن تكونَ موضوعةً على حرفَيْن فقط، لأنَّ مِنْ مذهبِهم جوازَ ذلك في الأسماءِ المعربة.
وحكمها أنها متى أُضيفت إلى مضمرٍ أعْرِبت إعرابَ المثنى، أو إلى ظاهرٍ اُعْرِبَتْ إعرابَ المقصورِ عند جمهورِ العربِ، وبنو كنانةَ يُعْربونها إعرابَ المثنى مطلقاً فيقولون: رأيت كِلَيْ اَخَوَيْك، وكونُها جَرَتْ مَجْرى المثنى مع المضمرِ دونَ الظاهر يضيق الوقتُ عن ذكره فإنِّي حَقَّقْتُه في "شرح التسهيل".
ومن أحكامِها: أنها لا تُضاف إلا إلى مثنى لفظاً ومعنى نحو: "كِلا الرجلين"، أو معنىً لا لفظاً نحو:، "كِلانا"، ولا تُضاف إلى مُفَرِّقَيْنِ بالعطفِ نحو: "كِلا زيد وعمرو" إلا في ضرورةٍ كقوله:

3048- كِلا السيفِ والسَّاقِ الذي ذهبَتْ به على مَهَلٍ باثنين ألقاه صاحبُهْ

وكذا لا تُضافُ إلى مفردٍ مرادٍ به التثنيةُ إلا في ضرورةٍ كقوله:

3049- إنَّ للخير والشرِّ مَدَى وكِلا ذلك وَجْهٌ وقَبَلْ

والأكثرُ مطابَقَتُها فَيُفْرَدُ خبرُها وضميرُها نحو: كلاهما قائمٌ، وكلاهما ضربتُه، ويجوزُ في قليل: قائمان، وضربتُهما، اعتباراً بمعناها، وقد جَمَعَ الشاعرُ بينهما في قوله:

3050- كلاهما حينَ جَدَّ الجَرْيُ بينهما قد أقلعا وكِلا أَنْفَيْهما رابي

وقد يَتَعَيَّنُ اعتبارُ اللفظِ نحو: كِلانا كفيلُ صاحبِهِ، وقد يتعيَّنُ اعتبارُ المعنى، ويُستعمل تابعاً توكيداً، وقد لا يَتْبَعُ فيقع مبتدأً ومفعولاً به ومجروراً. و"كلتا" في جميعِ ما ذُكِرَ كـ"كِلا"، وتاؤُها بدلُ عن واو، وألفُها للتأنيث، ووزنُها فِعْلى كذكرى. وقال يونس: ألفُها أصلٌ تأؤُها مزيدةٌ، ووزنُها فِعْتَل. وقد رَدَّ عليه الناس، وله موضعٌ غيرُ هذا. والنسب إليها عند سيبويه: كِلْوِيّ كمذكَّرِها، وعند يونس: كِلْتَوِيّ لئلا تَلْتَبِسَ، وهذا القَدْرُ كافٍ في هاتين اللفظتين.
قوله: "أُفٍّ"أُفّ" اسمُ فعلٍ مضارعٍ بمعنى أتضجَّر، وهو قليلٌ؛ فإنَّ أكثرَ بابِ أسماء الأفعال أوامرُ، وأقلُّ منه اسمُ الماضي، وأقلُّ منه اسمُ المضارع كـ"أُفّ" وأَوَّه، أي: أتوجَّع، ووَيْ، أي: أَعْجَبُ. وكان مِنْ حقِّها أَنْ تُعْرَبَ لوقوعِها موقعَ مُعْرَبٍ، وفيها لغاتٌ كثيرة وصلها الرُّمَّاني إلى تسع وثلاثين، وذكر ابنُ عطية لفظةً، بها تمت الأربعون، وهي اثنان وعشرون مع الهمزةِ المضمومةِ: أُفُّ، أُفَّ، أُفِّ، بالتشديدِ مع التنوين وَعَدَمِه، أُفُ، أُفَ، أُفِ، بالتخفيف مع التنوين وعدمه، أُفْ بالسكون والتخفيف؛ أُفّْ بالسكون والتشديد، أُفُّه أَفَّه أُفِّه، أفَّا من غير إمالة، وبالإِمالة المحضة، وبالإِمالة بين بين، أُفُّو أُفِّي: بالواو والياء وإحدى عشرة مع كسرِ الهمزةِ إفَّ إفِّ: بالتشديد مع التنوينِ وعدِمه، إفُ إفَ إفِ بالتخفيفِ مع التنوينِ وعدمِه، إفَّا بالإِمالة. وستٌ مع فتح الهمزة: أَفَّ أَفِّ، بالتشديد مع التنوينِ وعدِمه، أَفْ بالسكون، أفا بالألف. فهذه تسعٌ وثلاثون لغةً، وتمامُ الأربعين "أَفاهْ" بهاء السكت. وفي استخراجها بغيرِ هذا الضابطِ الذي ذكرتُه عُسْرٌ ونَصَبٌ يَحتاج في استخراجِه من كتب اللغة، ومن كلامِ أهلِها، إلى تتبُّع كثيرٍ، والشيخ لم يَزِدْ على أنْ قالَ: "ونحن نَسْردُها مضبوطةً كما رأيناها" فذكرها، والنسَّاخُ خالفوه في ضبطِه، فمِنْ ثَمَّ جاء فيه الخَلَلُ، فَعَدَلْتُ إلى هذا الضابطِ المذكورِ ولله الحمدُ.
وقد قُرِئ من هذه اللغاتِ بسبعٍ: ثلاثٍ في المتواتر، وأربعٍ في الشاذ، فقرأ نافعٌ وحفصٌ بالكسر والتنوين، وابنُ كثير وابنُ عامر بالفتحِ دون تنوين، والباقون بالكسر دون تنوين، ولا خلافَ بينهم في تشديدِ الفاء. وقرأ نافعٌ في روايةٍ: أُفٌ بالرفع والتنوين، وأبو السَّمَّال بالضمِّ مِنْ غير تنوين، وزيد بن علي بالنصبِ والتنوين، وابنُ عباس: "أفْ" بالسكون.
وقوله: { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا }، أي: لا تَزْجُرْهما، والنَّهْرُ: الزَّجْرُ بِصياحٍ وغِلْظة/ وأصلُه الظهورُ، ومنه "النَّهْر" لظهوره. وقال الزمخشري: "النَّهْيُ والنَّهْرُ والنَّهْمُ اَخَواتٌ".