خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ
٢
-مريم

الدر المصون

قوله: { ذِكْرُ }: فيه ثلاثةُ أوجهٍِ. أحدُها: أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر، تقديرُه: فيما يُتْلَى عليكم ذِكْرُ. الثاني: أنه خبرٌ محذوفٌ المبتدأ، تقديرُه: المَتْلُوُّ ذِكْرُ، أو هذا ذِكْرُ. الثالث: أنه خبرُ الحروفِ المتقطعةِ، وهو قولُ يحيى بن زياد. قال أبو البقاء: "وفيه بُعْدٌ؛ لأن الخبرَ هو المبتدأُ في المعنى، وليس في الحروفِ المقطَّعةِ ذِكْرُ الرحمةِ، ولا في ذكرِ الرحمة معناها".
والعامَّةُ على تسكينِ أواخرِ هذه الأحرفِ المقطَّعةِ، وكذلك كان بعضُ القُرِّاءِ يقفُ على كلِّ حرفٍ منها وَقْفَةً يسيرةً مبالغَةً في تمييزِ بعضِها مِنْ بعضٍ.
وقرأ الحسنُ "كافُ" بالضم، كأنه جَعَلها معربةً، ومَنَعها من الصَّرْف للعَلَميَّةِ والتأنيث. وللقُرَّاء خلافٌ في إمالة "يا" و"ها" وتفخيمِهما. وبعضُهم يُعَبِّر عن التفخيم بالضمِّ، كما يُعَبِّر عن الإِمالةِ بالكسرِ، وإنما ذكَرْتُه لأنَّ عبارتَهم في ذلك مُوْهِمَةٌ.
وأظهر دالَ صاد قبل ذال "ذَكْرُ" نافعٌ وابنُ كثير وعاصم لأنه الأصل، وأدغمها فيها الباقون.
والمشهورُ إخفاءُ نونِ "عَيْن" قبل الصاد؛ لأنها تُقاربها، ويشتركان في الفم، وبعضُهم يُظْهِرُها لأنها حروف مقطعة يُقْصَدُ تمييزُ بعضِها [من بعض].
و"ذِكْرُ" مصدرٌ مضافٌ. قيل: إلى مفعولِه وهو الرحمةُ، والرحمةُ في نفسها مصدرٌ أيضاً مضافٌ إلى فاعلِه، و"عبدَه" مفعولٌ به. والناصبُ له نفسُ الرحمةِ، ويكونُ فاعلُ الذِّكْرِ غيرَ مذكورٍ لفظاً، والتقدير: أَنْ ذَكَرَ اللهُ رحمتَه عبدَه. وقيل: بل "ذِكْرُ" مضافٌ إلى فاعلِه على الاتِّساعِ ويكون "عبدَه" منصوباً بنفسِ الذِّكْر، والتقديرُ: أَنْ ذَكَرَتِ الرحمةُ عبدَه، فَجَعَلَ الرحمةَ ذاكرةً له مجازاً.
و"زكريَّا" بدلٌ أو عطفٌ بيانٍ، أو مصنوبٌ بإضمار "أَعْني".
وقرأ يحيى بن يعمر - ونقلها الزمخشريُّ عن الحسنِ - "ذَكَّرَ" فعلاً ماضياً مشدِّدا، و"رحمةَ" بالنصبِ على أنها مفعولٌ ثانٍ قُدِّمَتْ على الأولِ، وهو "عبدَه" والفاعلُ: إمَّا ضميرُ القرآنِ، أو ضميرُ الباري تعالى. والتقدير: أَنْ ذكَّر القرآنُ المتلُوُّ - أو ذَكَّر اللهُ - عَبْدَه رحمتَه، أي: جَعَلَ العبدَ يَذْكرُ رحمتَه. ويجوز على المجازِ المتقدِّمِ أن تكون "رحمةَ ربك" هو المفعولَ الأولَ، والمعنى: أنَّ اللهَ جَعَلَ الرحمةَ ذاكرةً للعبدِ. وقيل: الأصلُ: ذكَّرَ برحمةٍ، فلمَّا انْتُزِعَ الجارُّ نُصِب مجرورُه، ولا حاجةَ إليه.
وقرأ الكلبيُّ "ذَكَرَ" بالتخفيفِ ماضياً، "رحمةَ" بالنصبِ على المفعول به، "عبدُه" بالرفع فاعلاً بالفعلِ قبلَه، "زكريَّا" بالرفعِ على البيانِ او البدلِ او على إضمارِ مبتدأ، وهو نظيرُ إضمار الناصب في القراءة الأولى.
وقرأ يحيى بن يعمر - فيما نقله عنه الدانيُّ - "ذَكَّرْ" فعلَ أمرٍ، "رحمةَ" و"عبدةَ" بالنصب فيهما على أنهما مفعولان، وهما على ما تقدَّم مِنْ كونِ كلِّ واحدٍ يجوز أَنْ يكونَ المفعولَ الأولَ أو الثاني، بالتأويلِ المتقدِّم في جَعْلِ الرحمة ذاكرةً مجازاً.