قوله تعالى: { مِنَ ٱلْكِتَابِ }: في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبِها وجهان، أحدُهما: أنه العائدُ على الموصولِ، تقديرُه: أنزله اللهُ حالَ كونِه من الكتابِ، فالعاملُ فيه "أَنْزَلَ"، والثاني: أنه الموصولُ نفسه، فالعاملُ في الحالِ "يكتمون".
قوله: { وَيَشْتَرُونَ بِهِ } الضميرُ في "به" يُحْتَمَلُ أن يعودَ على "ما" الموصولةِ، وأَنْ يعودَ على الكَتْمِ المفهومِ من قولِه: "يكتمون" وأَنْ يعودَ على الكتابِ، أظهرها أوَّلُها، ويكونُ ذلك على حَذْفِ مضافٍ، أي: يشترون بكَتْمِ ما أَنْزل.
قوله: { إِلاَّ ٱلنَّارَ } استثناءٌ مفرغٌ؛ لأن قبلَه عاملاً يَطلُبه، وهذا من مجاز الكلام، جَعَل ما هو سببٌ للنار كقولِهم: "أكل فلانٌ الدمَ" يريدون الدِّية التي بسببها الدمُ، قال:
820 ـ فلو أَنَّ حَيَّاً يقبلُ المالَ فِدْيةً لَسُقْنا إليه المالَ كالسيلِ مُفْعَما
ولكنْ أبى قومٌ أُصيب أخوهمُ رِضا العارِ واختاروا على اللبنِ الدِّما
وقال:
821 ـ أَكَلْتُ دماً إنْ لم أَرْعُكِ بِضَرَّةٍ بعيدةِ مَهْوى القِرْطِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ
وقال:
822 ـ يَأْكُلْن كَلَّ ليلةٍ إكافا ...........................
يريد: ثمن إكاف.
وقوله: { فِي بُطُونِهِمْ } يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجه، أظهرُها: أَنْ يتعلَّقَ بقولِه: "يأكلون" فهو ظرفٌ له. قال أبو البقاء: "وفيه حَذْفُ مضافٍ أي طريق بطونهم، ولا حاجةَ إلى ما قاله من التقدير. والثاني: أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من النارِ. قال أبو البقاء: "والأجْوَدُ أن تكونَ الحالُ هنا مقدرةً لأنها وقتَ الأكلِ ليسَتْ في بطونِهم، وإنما تَؤُولُ إلى ذلك، والتقدير، ثابتةً أو كائنةً في بطونهم قال: "وَيَلْزَمُ من هذا تقديمُ الحالِ على حرف الاستثناءِ وهو ضعيفٌ، إلا أن يُجْعَلَ المفعولُ محذوفاً، و "في بطونِهم" حالاً من أو صفةً له، أي: في بطونهم شيئاً يعني فيكونُ "إلا النار" منصوباً على الاستثناءِ التام، لأنه مستثنى من ذلك المحذوفِ. إلا أنه قال بعد ذلك "وهذا الكلامُ في المعنى على المجازِ، وللإِعرابِ حكمُ اللفظ. والثالثُ: أن يكونَ صفةً أو حالاً من مفعول "كُلوا" محذوفاً كما تقدَّم تقريرُه.