خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
-البقرة

الدر المصون

قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ }: مبتدأٌ، خبرهُ الجارُّ والمجرورُ بعده أي كائنون على هدى، وهذه الجملة: إمَّا مستأنفةٌ وإمّا خبرٌ عن قوله: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } إمَّا الأولى وإمَّا الثانية، ويجوز أن يكون "أولئك" وحدَه خبراً عن { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } أيضاً إمَّا الأولى أو الثانية، ويكون "على هدى" في هذا الوجهِ في محلِّ نصب على الحالِ، هذا كلُّه إذا أعربنا { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } مبتدأ، أمَّا إذا جعلناه غيرَ مبتدأ فلا يَخْفَى حكمه مِمّا تقدم. ويجوز أن يكونَ { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } مبتدأ، و "أولئك" بدلٌ أو بيانٌ، و "على هدى" الخبرُ، و "مِنْ ربهم" في محلِّ جرٍّ صفةً لهُدى، ومِنْ لابتداء الغاية. ونَكَّر "هُدَى" ليفيدَ إبهامُه التعظيم كقوله:

129ـ فلا وأبي الطيرِ المُرِبَّة بِالضُّحى على خالدٍ لقد وقَعْتِ على لَحْمِ

ورُوِيَ "مِنْ ربهم" بغير غُنَّة وهو المشهورُ، وبغنَّة ويُروى عن أبي عمرو.
و"أولئك": اسمُ إشارةٍ يشترك فيه جماعةُ الذكور والإِناث، وهو مبنيٌّ على الكسر لشبِهْه بالحرفِ في الافتقار، وفيه لغتان: المدُّ والقَصْر، ولكنَّ الممدود للبعيد، وقد يقال: أولا لِك، قال:

130ـ أُولا لِك قومي لم يكونوا أُشَابَةً وهل يَعِظُ الضِّلِّيلَ إلا أُولا لِكَا

وعند بعضهم: المقصودُ للقريب والممدودُ للمتوسط وأولا لك للبعيد، وفيه لغاتٌ كثيرة. وكتبوا "أولئك" بزيادةِ واو قبل اللام، قيل للفرقِ بينها وبين "إليك".
{ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }: "أولئك" مبتدأ و "هم" مبتدأ ثانٍ، و "المفلحون" خبره، والجملةُ خبر الأول، ويجوز أن يكونَ "هم" فصلاً أو بدلاً، والمفلحون: الخبر. وفائدةُ الفصل: الفرقُ بين الخبرِ والتابعِ، ولهذا سُمِّيَ فَصْلاً، ويفيدُ أيضاً التوكيدَ، وقد تقدَّم أنه يجوز أن يكون "أولئك" الأولى أو الثانية خبراً عن "الذين يؤمنون"، وتقدَّم تضعيفُ هذين القولين. وكَرَّرَ "أولئك" تنبيهاً أنهم كما ثَبَتَت لهم الأُثْرَةُ بالهُدَى ثَبَتت لهم بالفلاح، فجُعِلت كلُّ واحدةٍ من الأُثْرَتَيْنِ في تميُّزِهم بها عن غيرِهم بمثابةِ لو انفردت لَكَفَتْ مُمَيِّزة على حِدَتها.
وجاء هنا بالواو بين جملةِ قوله: { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } بخلافِ قوله تعالى في الآية الأخرى:
{ { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } [الأعراف: 179] لأن الخبرَيْن هنا متغايران فاقتضى ذلك العطفَ، وأما تلك الآيةُ الكريمةُ فإن الخبريْن فيها شيءٌ واحدٌ، لأن التسجيلَ عليهم بالغفلةِ وتشبيهَهم بالأنعام معنى واحدٌ وكانَتْ عن العطف بِمَعْزِل، قال الزمخشري: "وفي اسم الإِشارة الذي هو "أولئك" إيذانٌ بأنَّ ما يَرِد عقيبَه والمذكورين قبله أهلٌ لاكتسابِه من أجل الخصال التي عُدِّدَت لهم، كقول حاتم: "وللهِ صعلوكٌ"، ثمَ عَدَّد له خِصالاً فاضلة، ثم عقَّبَ تعديدها بقوله:

131ـ فذلك إن يَهْلِكْ فَحُسْنى ثناؤُه وإن عاش لم يَقْعُدْ ضعيفاً مُذَمَّماً

والفلاحُ أصله الشَّقُّ، ومنه قوله: "إن الحديد بالحديد يفلح" ومنه قول بكر بن النطاح:

132ـ لاَ تَبْعَثَنَّ إلى ربيعةَ غيرَها إن الحديدَ بغيرِه لا يُفْلِح

ويُعَبَّرُ به عن الفوز والظفر بالبُغْيَة وهو مقصودُ الآيةِ، ويُراد به البَقاءُ، قال:

133ـ لو أن حَيَّاً مُدْرِكُ الفَلاحِ أَدْرَكه مُلاعِبُ الرِّماحِ

وقال آخر:

134ـ نَحُلُّ بلاداً كلُّها حَلَّ قبلَنا ونرجو الفَلاَح بعد عادٍ وحِمْيَرِ

وقال:

135ـ لكلِّ هَمٍّ من الهُموم سَعَهْ والمُسْيُ والصُّبْحُ لا فَلاَح معه

وقال آخر:

136ـ أَفْلِحْ بما شِئْت فقد يُبْلَغُ بالـ ضَّعْفِ وقد يُخْدَعُ الأَريب