خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
٩٧
-الأنبياء

الدر المصون

قوله: { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ }: فيه أوجهٌ أحدُها: ـ وهو الأجود ـ أن تكونَ "هي" ضميرَ القصة، و"شاخصةٌ" خبرٌ مقدمٌ، و"أبصارُ" مبتدأ مؤخر، والجملةُ خبرٌ لـ"هي" لأنها لا تُفَسَّر إلاَّ بجملةٍ مصرِّحٍ بجزأيها، وهذا مذهبُ البصريين. الثاني: أن تكونَ "شاخصة" مبتدأ، و"أبصارُ" فاعلٌ سدَّ مَسَدَّ الخبرِ، وهذا يتمشَّىٰ على رأي الكوفيين؛ لأنَّ ضميرَ القصةِ يُفَسَّر عندهم بالمفردِ العاملِ عملَ الفعلِ فإنَّه في قوة الجملة. الثالث: قال الزمخشري: "هي" ضميرٌ مُبْهَمٌ تُوَضِّحه الأبصارُ وتُفَسِّره، كما فُسِّر { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } { وَأَسَرُّواْ } [الأنبياء: 3]. ولم يَذْكر غيرَه. قلت: وهذا هو قولُ الفراء؛ فإنَّه قال: "هي" ضميرُ الأبصارِ تقدَّمَتْ لدلالة الكلام ومجيءِ ما يُفَسِّرها". وأنشد شاهداً على ذلك:/

3362ـ فلا وأبيها لا تقول حَليلتي ألا فَرَّعني مالكُ بنُ أبي كعبِ

الرابع: أن تكونَ "هي" عماداً، وهو قول الفراء أيضاً، قال: "لأنه يَصْلُح موضعَها "هو" وأنشد:

3363ـ بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودِرْهمٍ فهل هو مرفوعٌ بما ههنا راسُ

وهذا لا يَتَمَشَّى إلاَّ على أحدِ قولي الكسائي: وهو أنه يُجيز تقدُّمَ الفصلِ مع الخبرِ المقدَّم نحو: "هو خيرٌ منك زيد" الأصل: زيدٌ هو خيرٌ منك، وقال الشيخ: "أجاز هو القائمُ زيدٌ، على أنَّ "زيداً" هو المبتدأ و"القائم" خبره و"هو" عمادٌ. وأصلُ المسألةِ: زيدٌ هو القائم". قلتُ: وفي هذا التمثيلِ [نظرٌ]؛ لأنَّ تقديمَ الخبرِ هنا ممتنعٌ لا ستوائِهما في التعريفِ، بخلاف المثال الذي قَدَّمْتُه، فيكون أصلُ الآيةِ الكريمة: فإذا أبصارُ الذين كفروا هي شاخصةٌ، فلما قُدِّم الخبرُ وهو "شاخصةٌ" قُدِّم معها العِمادُ. وهذا أيضاً إنما يجيءُ على مذهبِ مَنْ يرى وقوعَ العمادِ قبل النكرة غيرِ المقاربةِ للمعرفةِ.
الخامس: أَنْ تكونَ "هي" مبتدأً، وخبرُه مضمرٌ، ويَتِمُّ الكلامُ حينئذٍ على "هي"، ويُبْتَدأ بقوله "شاخصة أبصار". والتقديرُ: فإذا هي بارزةٌ أي: الساعةُ بارزةٌ أو حاضرة، و"شاخصةٌ" خبرٌ مقدمٌ و"أبصارُ" مبتدأٌ مؤخرٌ. ذكره الثعلبي. وهو بعيدٌ جداً لتنافرِ التركيبِ، وهو التعقيدُ عند علماءِ البيان.
قوله: { يٰوَيْلَنَا } معمولٌ لقولٍ محذوفٍ، وفي هذا القولِ المحذوفِ وجهان، أحدُهما: أنَّه جوابُ "حتى إذا" كما تقدَّم. والثاني: في محلِّ نصبٍ على الحالِ من "الذين كفروا"، قاله الزمخشري.