خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
-القصص

الدر المصون

قوله: { ذَلِكَ }: مبتدأٌ. والإِشارةُ به إلى ما تعاقَدَا عليه، والظرفُ خبرُه. وأُضِيْفَتْ "بين" لمفردٍ لتكررِها عطفاً بالواوِ. ولو قلتَ: "المالُ بين زيدٍ فعمرٍو" لم يَجُزْ. فأمَّا قولُه:

3599ـ ....................... ......... بين الدَّخولِ فَحَوْمَلِ

فكان الأصمعيُّ يَأْباها ويَرْوي "وحَوْمَلِ" بالواو. والصحيحُ بالفاءِ، وأوَّلَ البيتَ على: "الدَّخولِ وَحَوْمَلِ" مكانان كلٌّ منهما مشتملٌ على أماكنَ، نحو قولِك: "داري بين مصرَ" لأنه به المكانُ الجامع. والأصل: ذلك بَيْنَنا، ففرَّق بالعطف.
قوله: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ } "أيّ" شرطيةٌ. وجوابُها "فلا عُدْوانَ" عليَّ. وفي "ما" هذه قولان، أشهرُهما: أنها زائدةٌ كزيادتِها في أخواتِها مِنْ أدواتِ الشرط. والثاني: أنها نكرةٌ. والأَجَلَيْن بدلٌ منها. وقرأ الحسن وأبو عمرٍو في رواية "أَيْما" بتخفيفِ الياءِ، كقوله:

3600ـ تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما عليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ

وقرأ عبد الله "أَيَّ الأَجَلَيْنِ ما قَضَيْتُ" بإقحام "ما" بين "الأجلين" و"قَضَيْتُ". قال الزمخشري: "فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين موقعَيْ زيادةِ "ما" في القراءتين؟ قلت: وقعَتْ في المستفيضة مؤكِّدةً لإِبهامِ "أيّ" زائدةً في شِياعِها، وفي الشاذَّة تأكيداً للقضاءِ كأنه قال: أيَّ الأجلين صَمَّمْتُ على قضائه، وجَرَّدْت عَزيمتي له".
وقرأ أبو حيوةَ وابنُ قطيب "عِدْوان". قال الزمخشري: "فإنْ قلتَ: تَصَوُّرُ العُدْوان إنما هو في أحد الأجلَيْن الذي هو أقصرُهما، وهو المطالبةُ بتتمَّة العَشْر، فما معنى تعلُّقِ العُدْوانِ بهما جميعاً؟ قلت: معناه كما أنِّي إنْ طُوْلِبْتُ بالزيادةِ على العشر [كان عدواناً] لا شك فيه، فكذلك إنْ طولِبْتُ بالزيادةِ على الثمان. أراد بذلك تقريرَ ِأمرِ الخِيارِ، وأنه ثابتٌ مستقرٌّ، وأن الأجلَيْنِ على السَّواء: إمَّا هذا وإمَّا هذا". ثم قال: "وقيل: معناه: فلا أكونُ متعدياً. وهو في نَفْي العدوان عن نفسه كقولِك: لا إثمَ علي ولا تَبِعَةَ". قال الشيخ: "وجوابُه الأولُ فيه تكثيرٌ". قلتُ: كأنه أعجبه الثاني، والثاني لم يَرْتَضِه الزمخشريُّ؛ لأنه ليس جواباً في الحقيقة؛ فإن السؤالَ باقٍ أيضاً. وكذلك نَقَلَه عن غيره.
وقال المبرد: "وقد عَلِم أنه لا عُدْوانَ عليه في أتَمِّهما، ولكنْ جَمَعَهما ليجعلَ الأولَ كالأَتَمِّ في الوفاء".