خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
٣٤
-القصص

الدر المصون

قوله: { هُوَ أَفْصَحُ }: الفَصاحَةُ لغةً: الخُلوصُ. ومِنْه فَصُحَ اللبنُ وأَفْصَحَ فهو مُفْصِحٌ وفَصيح أي: خَلَصَ من الرَّغْوَة. ورُوِي/ قولُهم:

3606ـ ....................... وتحتَ الرَّغْوَةِ اللبنُ الفَصيحُ

ومنه فَصُحَ الرجل: جادَتْ لغُته. وأَفْصَحَ: تكلَّم بالعربية. وقيل: بالعكس. وقيل: الفصيح الذي يَنْطِقُ. والأعجمُ: الذي لا ينطقُ. وعن هذا اسْتُعير أَفْصَح الصبحُ أي: بدا ضَوْءُه. وأفصح النصرانيُّ: دنا فِصْحُه بكسرِ الفاءِ وهو عيدٌ لهم. وأمَّا في اصطلاحِ أهل البيانِ فهي خُلُوصُ الكلمة من تنافرِ الحروفِ كقوله: "تَرْعَىٰ الهِعْخِع". ومن الغرابةِ. كقوله:

3607ـ ................... ومَرْسِناً مُسَرَّجاً

ومِنْ مخالفةِ القياس اللغوي كقوله:

3608ـ .................... العَليِّ الأَجْلَل

وخُلوصُ الكلام من ضعفِ التأليف كقوله:

3609ـ جزىٰ ربُّه عني عَدِيَّ بنَ حاتمٍ ...........................

ومن تنافرِ الكلماتِ كقولهِ:

3610ـ وقبرُ حربٍ بمكانٍ قَفْرِ وليسَ قربَ قبرِ حَرْبٍ قبرُ

ومن التعقيدِ وهو: إمَّا إخلالُ نظمِ الكلامِ فلا يُدْرَىٰ كيفُ يُتوصَّلُ إلى معناه؟ كقوله:

3611ـ وما مثلُه في الناسِ إلاَّ مُمَلَّكاً أبو أمِّه حيٌّ أبوه يُقارِبُهْ

وإمَّا عَدَمُ انتقالِ الذهنِ من المعنى الأول إلى المعنى الثاني، الذي هو لازِمه والمرادُ به، ظاهراً كقوله:

3612ـ سأطلبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا وَتَسْكُبُ عينايَ الدموعَ لتَجْمُدا

وخُلوصُ المتكلم من النطقِ بجميع ذلك فصارتِ الفصاحةُ يوصف بها ثلاثةُ أشياءَ: الكلمةُ والكلامُ والمتكلمُ بخلاف البلاغةِ فإنه لا يُوْصَفُ بها إلاَّ الأخيران. وهذا له موضوعٌ يُوَضَّحُ فيه، وإنما ذكَرْتُ لك ما ينبِّهُك على أصلِه.
و[قوله]: "لِساناً" تمييز.
قوله: "رِدْءاً" منصوبٌ على الحال. والرِّدْءُ: العَوْنُ وهو فِعْلٌ بمعنى مَفْعول كالدِّفْءِ بمعنى المَدْفوء به. ورَدَأْتُه على عَدُوِّه أَعَنْتُه عليه. ورَدَأْتُ الحائط: دَعَمْتُه بخشَبَة كيلا يَسْقُطَ. وقال النحاس: "يقال: "رَدَأْته وأَرْدَأْته".
وقال سلامة بن جندل:

3613ـ ورِدْئي كلُّ أبيضَ مَشْرَفيٍّ شَحيذِ الحَدِّ أبيضَ ذي فُلولِ

وقال آخر:

3614ـ ألم تَرَ أنَّ أَصْرَمَ كان رِدْئي وخيرَ الناسِ في قُلٍّ ومالِ

وقرأ نافع "رِدا" بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلاَّ أنه لم يُنَوِّنْه كأنه أَجْرَىٰ الوصلَ مُجْرَىٰ الوقفِ. ونافعٌ ليس من قاعدتِه النقلُ في كلمةٍ إلاَّ هنا. وقيل: ليس فيه نَقْلٌ وإنما هو مِنْ أَرْدَىٰ على كذا. أي: زاد. قال الشاعر:

3615ـ وأسمرَ خَطِّيّاً كأنَّ كُعُوبَه نوَىٰ القَسْبِ قد أَرْدَىٰ ذِراعاً على العَشْرِ

أي: زاد [وأنشده الجوهريُّ: قد أَرْبَىٰ، وهو بمعناه].
قوله: { يُصَدِّقُنِي } قرأ حمزةُ وعاصمٌ بالرفع على الاستئناف أو الصفةِ لـ"رِدْءاً" أو الحالِ من هاء "أَرْسِلْه"، أو من الضميرِ في "رِدْءاً". والباقون بالجزمِ جواباً للأمرِ. وزيد بن علي واُبَيٌّ "يُصَدِّقوني" ِأي: فرعونُ ومَلَؤُه. قال ابن خالويه: "وهذا شاهدٌ لِمَنْ جَزَم؛ لأنه لو كان رفعاً لقال "يُصَدِّقونَني" يعني بنونين".
وهذا سهوٌ من ابن خالويه؛ لأنه متى اجتمعَتْ نونُ الرفعِ من نون الوقايةِ جازَتْ أوجهٌ، أحدها: الحذفُ، فهذا يجوزُ أن يكونَ مرفوعاً، وحَذْفُ نونِه لما ذكرْتُ لك. وقد تقدم تحقيقُ هذا في الأنعام وغيرِها. وحكاه الشيخُ عن ابنِ خالَويه ولم يُعْقِبْه بنَكير.