قوله: { مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ }: "ما" موصولةٌ بمعنى الذي، صلتُها "إنَّ" وما في حَيِّزها، ولهذا كُسِرَتْ. ونَقَل الأخفش الصغير عن الكوفيين مَنْعَ الوَصْلِ بـ"إنَّ"، وكان يَسْتَقْبح ذلك عنهم. يعني لوجودِه في القرآن.
قوله: { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ } فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ الباءَ للتعديةِ كالهمزةِ، ولا قَلْبَ في الكلام. والمعنىٰ: لَتُنِيْءُ المفاتيحُ العُصْبَةَ الأقوياءَ، كما تقولُ: أَجَأْتُه وجِئْتُ به، وأَذْهَبْتُه وذَهَبْتُ به. ومعنى ناء بكذا: نَهَضَ بِهِ بثِقَلٍ. قال:
3626ـ تَنُوْءُ بأُخْراها فَلأْياً قِيامُها وَتَمْشِي الهَوَيْنَىٰ عن قَريبٍ فَتَبْهَرُ
وقال أبو زيد: "نُؤْتُ بالعَمَل أي: نَهَضْتُ". قال:
3627ـ إذا وَجَدْنا خَلَفاً بِئْسَ الخَلَفْ عبداً إذا ما ناء بالحِمْلِ وَقَفْ
وفَسَّره الزمخشريُّ بالإِثْقال. قال: "يُقال: ناء به الحِمْلُ، حتى أَثْقله وأماله" وعليه يَنْطبقُ المعنى أي: لَتُثْقِلُ المفاتحُ العُصْبةَ.
والثاني: أنَّ في الكلام قَلْباً، والأصلُ: لَتَنُوْءُ العُصْبةُ بالمفاتحِ، أي: لَتَنْهَضُ بها. قاله أبو عبيد، كقولهم: "عَرَضْتُ الناقةَ على الحَوْضِ". وقد تقدم الكلامُ في القَلْبِ، وأنَّ فيه ثلاثةَ مذاهبَ.
وقرأ بُدَيْل بن مَيْسَرة "لَيَنُوْءُ" بالياء مِنْ تحتُ والتذكير؛ لأنه راعىٰ المضافَ المحذوفَ. إذ التقديرُ: حِمْلُها أو ثِقْلُها. وقيل: الضَمير في "مفاتِحَه" لقارون، فاكتسب المضافُ من المضاف إليه التذكيرَ كقولِهم: "ذهبَتْ أهلُ اليمامةِ" قاله الزمخشري. يعني كما اكتسبَ "أهلُ" التأنيثَ اكتسَبَ هذا التذكيرَ.
قوله: { إِذْ قَالَ } فيه أوجهٌ: أَنْ يكونَ معمولاً لتنوءُ. قاله الزمخشري: أو لـ"بَغَىٰ" قاله ابنُ عطية. ورَدَّهما الشيخُ:/ بأنَّ المعنىٰ ليس على التقييد بهذا الوقتِ. أو لـ"آتيناه" قاله أبو البقاء. ورَدَّه الشيخ: بأن الإِتياءَ لم يكنْ ذلك الوقتَ، أو لمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء: بَغَى عليهم. وهذا يَنْبغي أَنْ يُرَدَّ بما رُدَّ به قولُ ابنِ عطية. وقَدَّره الطبري: اذكُرْ، وقَدَّره الشيخُ: أظهر الفرحَ وهو مناسِبٌ.
وقُرِىء "الفارِحين" حكاها عيسى الحجازي.