خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
٣
-السجدة

الدر المصون

قوله: { أَمْ يَقُولُونَ }: هي المنقطعةُ، والإِضرابُ انتقالٌ لا إبطالٌ.
قوله: { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ } إضرابٌ ثانٍ. ولو قيل بأنَّه إضرابُ إبطالٍ لنفسِ "افتراه" وحدَه لكان صواباً، وعلى هذا يُقال: كلُّ ما في القرآنِ إضرابٌ فهو انتقالٌ إلاَّ هذا، فإنه يجوزُ أَنْ يكونَ إبطالاً؛ لأنه إبطالٌ لقولِهم أي: ليس هو كما قالوا مفترى بل هو الحقُّ. وفي كلامِ الزمخشريِّ ما يُرْشِدُ إلى هذا فإنه قال: "والضميرُ في "فيه" راجعٌ إلى مضمونِ الجملة. كأنه قيل: لا ريبَ في ذلك، أي: في كونِه مِنْ رب العالمين. ويَشْهَدُ لِوجاهَتِه قولُه: { أَمْ يَقُولُونَ: ٱفْتَرَاهُ }؛ لأنَّ قولهم "هذا مفترى" إنكارٌ لأَنْ يكونَ مِنْ ربِّ العالمين، وكذلك قوله: { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } وما فيه تقريرٌ أنه من عندِ الله. وهذا أسلوبٌ صحيحٌ مُحْكَمٌ".
قوله: "مِنْ ربِّك" حالٌ من "الحقّ" والعاملُ فيه محذوفٌ على القاعدة، وهو العاملُ في "لِتُنْذِرَ" أيضاً، ويجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ في "لتنذر" غيرَه أي: أنزله لِتنذِرَ.
قوله: { قَوْماً مَّآ أَتَاهُم } الظاهرُ أنَّ المفعولَ الثاني للإِنذار محذوفٌ. و"قوماً" هو الأولُ؛ إذ التقديرُ: لتنذِرَ قوماً العقابَ، و"ما أتاهم" جملةٌ منفيَّةٌ في محلِّ نصبٍ صفةً لـ "قوماً" يريد: الذين في الفترةِ بين عيسى ومحمدٍ عليهما السلام. وجعله الزمخشري كقوله:
{ { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } [يس: 6] فعلى هذا يكونُ "مِنْ نذير" هو فاعلَ "أتاهم" و"مِنْ" مزيدةٌ فيه. و"مِنْ قبلِك" صفةٌ لنذير. ويجوزُ أَنْ تتعلَّقَ "مِنْ قبلك" بـ "أَتاهم".
وجَوَّزَ الشيخُ أَنْ تكونَ "ما" موصولةً في الموضعين، والتقدير: لتنذِرَ قوماً العقابَ الذي أتاهم مِنْ نذيرٍ مِنْ قبلك. و"مِنْ نذير" متعلقٌ بـ "أَتاهم" أي: أتاهم على لسانِ نذيرٍ مِنْ قبلِك، وكذلك
{ { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } [يس: 6] أي: العقابَ الذي أُنْذِرَه آباؤهم. فـ "ما" مفعولةٌ في الموضعين، و"لِتُنْذرَ" يتعدَّى إلى اثنين. قال تعالى: { { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } [فصلت: 13]. وهذا القولُ جارٍ على ظواهر القرآن. قال تعالى: { { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24] { { أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } [المائدة: 19]. قلت: وهذا الذي قاله ظاهرٌ.
ويظهر أنَّ في الآية الأخرى وجهاً آخرَ: وهو أَنْ تكونَ "ما" مصدريةً تقديرُه: لتنذِرَ قوماً إنذاراً مثلَ إنذارِ آبائِهم؛ لأنَّ الرسلَ كلَّهم متفقون على كلمة الحق.