خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ
٥٦
-الزمر

الدر المصون

قوله: { أَن تَقُولَ }: مفعولٌ مِنْ أجلِه، فقدَّره الزمخشري كراهةَ أنْ تقول، وابنُ عطية: أَنِيْبوا مِنْ أَجْلِ أَنْ تقولَ. وأبو البقاء والحوفي: أَنْذَرْناكم مخافةَ أَنْ تقولَ. ولا حاجةَ إلى إضمارِ هذا العاملِ مع وجودِ "أَنيبوا" وإنما نَكَّر نفساً لأنه أراد التكثيرَ، كقولِ الأعشى:

3898 ـ ورُبَّ بَقيعٍ لو هَتَفْتُ بجَوِّه أتاني كريمٌ يَنْفُضُ الرأسَ مُغْضَبا

يريد: أتاني كرام كثيرون لا كريمٌ فَذٌّ؛ لمنافاتِه المعنى المقصودَ. ويجوزُ أَنْ يريد: نفساً متميِّزةً من بينِ الأنفسِ باللَّجاجِ الشديدِ في الكفرِ أو بالعذابِ العظيمِ.
قوله: "يا حَسْرتا" العامَّةُ على الألفِ بدلاً مِنْ ياءِ الإِضافةِ. وعن ابن كثير" يا حَسْرَتاهْ" بهاءِ السكت وَقْفاً، وأبو جعفر "يا حَسْرَتي" على الأصل. وعنه أيضاً "يا حَسْرتاي" بالألفِ والياء. وفيها وجهان، أحدُهما: الجمعُ بين العِوَضِ والمُعَوَّضِ منه. والثاني: أنه تثنيةُ "حَسْرَة" مضافةً لياءِ المتكلمِ. واعْتُرِضَ على هذا: بأنه كان ينبغي أَنْ يُقالَ: يا حَسْرتيَّ بإدغامِ ياءِ النَّصْبِ في ياءِ الإِضافةِ. وأُجيب: بأنه يجوزُ أَنْ يكونَ راعى لغة الحارِث ابن كعبٍ وغيرهم نحو: "رأيتُ الزيدان". وقيل: الألفُ بدلٌ من الياءِ والياءُ بعدها مزيدةٌ. وقيل: الألفُ مزيدةٌ بين المتضايفَيْنِ، وكلاهما ضعيفٌ.
قوله: { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ } "ما" مصدريةٌ أي: على تَفْرِيطي. وثَمَّ مضافٌ أي: في جَنْبِ طاعةِ الله. وقيل: { فِي جَنبِ ٱللَّهِ } المرادُ به الأمرُ والجهةُ. يقال: هو في جَنْبِ فلانٍ وجانبِه، أي: جهته وناحيته. قال الراجز:

3899 ـ الناسُ جَنْبٌ والأميرُ جَنْبُ

وقال آخر:

3900 ـ أفي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْني مَلامةً لَعَمْري لقد طالَتْ ملامَتُها بيا

ثم اتُّسِع فيه فقيل: فَرَّط في جَنْبِه أي في حَقِّه. قال:

3901 ـ أَمَا تَتَّقِيْنَ اللَّهَ في جَنْبِ عاشِقٍ له كَبِدٌ حَرَّى عليكِ تَقَطَّعُ