خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ
١٨
-غافر

الدر المصون

قوله: { يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ }: يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً به اتِّساعاً، وأَنْ يكونَ ظرفاً، والمفعولُ محذوفٌ. والآزِفَةُ: القريبةُ، مِنْ أَزِفَ الشيءُ، أي: قَرُبَ. قال النابغةُ:

3919 ـ أَزِف التَّرَحُّلُ غيرَ أنَّ رِكابَنا لَمَّا تَزَلْ برِحالِنا وكأنْ قَدِ

وقال كعبُ بن زهير:

3920 ـ بان الشبابُ وهذا الشيبُ قد أَزِفا ولا أرَى لشبابٍ بائنٍ خلفا

وقال الراغب: "أَزِفَ وأَفِدَ يتقارَبان، لكنَّ "أَزِفَ" يقال اعتباراً بضيقِ وقتِها. ويقال: أزِفَ الشُّخوصُ. والأَزَفُ: ضيقُ الوقت"، قلت: فجَعَلَ بينهما فَرْقاً، ويُرْوَى بيتُ النابغة: أَفِدَ الترحُّلُ. والآزِفَةُ: صفةٌ لمحذوفٍ، فيجوز أَنْ يكونَ التقديرُ: الساعة الآزِفَةُ أو الطامَّةُ الآزِفة.
قوله: "إذ القلوبُ" بدْلٌ من يومِ الآزِفةِ، أو مِنْ "هم" في "أَنْذِرْهُمْ" بدلُ اشتمالٍ.
قوله: "كاظِمين" نصبٌ على الحالِ. واختلفوا في صاحبها والعاملِ فيها. وقال الحوفي: "القلوبُ" مبتدأ. و"لدى الحناجِر" خبرُه، و"كاظمين" حالٌ من الضميرِ المستكنِّ فيه". قلت: ولا بُدَّ مِنْ جوابٍ عن جمعِ القلوبِ جمعَ مَنْ يَعْقِل: وهو أنْ يكونَ لَمَّا أَسْند إليهم ما يُسْنَدُ للعقلاءِ جُمِعَتْ جَمْعَه، كقولِه:
{ { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف: 4]، { { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 4]. الثاني: أنها حالٌ من "القلوب". وفيه السؤالُ والجوابُ المتقدِّمان. الثالث: أنه حالٌ من أصحاب القلوب. قال الزمخشري: "هو حالٌ مِنْ أصحاب القلوب على المعنى؛ إذ المعنى: إذْ قلوبُهم لدى الحناجر كاظمين عليها". قلت: فكأنَّه في قوةِ أنْ جَعَلَ أل عِوَضاً من الضمير في حناجرهم: الرابع: أَنْ يكونَ حالاً مِنْ "هم" في "أَنْذِرْهم"، وتكونُ حالاً مقدرةً؛ لأنهم وقتَ الإِنذارِ غيرُ كاظمين.
وقال ابن عطية: "كاظِمين حالٌ ممَّا أُبْدِلَ منه "إذ القلوب" أو ممَّا تُضاف القلوبُ إليه؛ إذ المرادُ: إذ قلوبُ الناس لدى حناجرِهم، وهذا كقولِه:
{ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [إبراهيم: 42] أراد: تَشْخَصُ فيه أبصارُهم". قلت: ظاهرُ قولِه أنه حالٌ ممَّا أُبْدِل منه.
قوله: "إذ القلوبُ" مُشْكِلٌ؛ لأنه أُبْدِل مِنْ قوله: "يومَ الآزِفَة" وهذا لا يَصِحُّ البتةَ، وإنما يريد بذلك على الوجه الثاني: وهو أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ "هم" في "أَنْذِرْهُمْ" بدلَ اشتمالٍ، وحينئذ يَصِحُّ. وقد تقدَّم الكلامُ على الكَظْمِ، والحناجر، في آل عمران والأحزاب.
قوله: { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } "يُطاعُ" يجوزُ أَنْ يُحْكَمَ على موضعِه بالجرِّ نعتاً على اللفظِ، وبالرفعِ نعتاً على المحلِّ؛ لأنه معطوفٌ على المجرور بمِنْ المزيدةِ.
وقوله: { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } مِنْ باب:

3921 ـ على لاحِبٍ لا يُهْتَدى بمَنارِه .......................

أي: لا شفيعَ فلا طاعةَ، أو ثَمَّ شفيعٌ ولكن لا يُطاعُ.