خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ
١١
-فصلت

الدر المصون

والدُّخان: ما ارتفع مِنْ لَهَبِ النار، ويُسْتعار لِما يُرى مِنْ بخارِ الأرضِ عند جَدْبِها. وقياسُ جَمْعِه في القلةِ: أَدْخِنة، وفي الكثرة: دِخْنان نحو غُراب وأَغْرِبة وغِربان، وشذُّوا في جَمْعِه على دواخِن. قيل: هو جمعُ داخِنة تقديراً على سبيلِ الإِسناد المجازيِّ. ومثله: عُثان وعَواثِن.
قوله: "وهي دُخانٌ" من باب التشبيهِ الصُّوري؛ لأن صورتِها صورةُ الدخان في رأي العَيْنِ.
قوله: "أَتَيْنا" قرأ العامَّةُ "ائْتِيا" أمراً من الإِتْيان، "قالتا أَتَيْنا" منه أيضاً. وقرأ ابنُ عباس وابنُ جبير ومجاهدٌ: "آتِيا قالتا آتَيْنا" بالمدِّ فيهما. وفيه وجهان، أحدُهما: أنه من المُؤَاتاة، وهي الموافَقَةُ أي: ليوافِقْ كلٌّ منكما الأخرى لِما يليقُ بها، وإليه ذهب الرازي والزمخشري. فوزنُ "آتِيا" فاعِلا كقاتِلا، و"آتَيْنا" وزنُه فاعَلْنا كقاتَلْنا./ والثاني: أنَّه من الإِيْتاء بمعنى الإِعطاء، فوزنُ آتِيا أَفْعِلا كأَكْرِما، ووزن آتَيْنا أَفْعَلْنا كأَكْرَمْنا. فعلى الأول يكونُ قد حَذَفَ مفعولاً، وعلى الثاني يكونُ قد حَذَفَ مفعولَيْن إذ التقدير: أَعْطِيا الطاعةَ مِنْ أنفسكما مَنْ أَمَرَكما. قالتا: أَعْطَيْناه الطاعة.
وقد مَنَع أبو الفضل الرازيُّ الوجهَ الثاني. فقال: "آتَيْنا" بالمَدِّ على فاعَلْنا من المُؤاتاة، بمعنى سارَعْنا، على حَذْفِ المفعولِ به، ولا تكونُ من الإِيتاء الذي هو الإِعطاءُ لبُعْدِ حَذْفِ مفعولَيْه". قلت: وهذا هو الذي مَنَعَ الزمخشريِّ أَنْ يَجْعَلَه من الإِيتاء.
قوله "طَوْعاً أو كَرْهاً" مصدران في موضعِ الحال أي: طائِعتين أو مُكْرَهَتَيْن. وقرأ الأعمشُ "كُرْهاً" بالضم. وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك في النساء.
قوله: "قالتا" أي: قالَتِ السماء والأرض. وقال ابنُ عطية: "أراد الفرقتَيْن المذكورتَيْن. جَعَلَ السماواتِ سماءً، والأرضين أرضاً، وهو نحوُ قولِ الشاعر:

3948 ـ ألم يُحْزِنْكَ أنَّ حبالَ قومي وقومِك قد تبايَنَتا انْقِطاعا

عَبَّر عنهما بـ "تَباينتا". قال الشيخ: "وليس كما ذَكَر؛ لأنه لم يتقدَّمْ إلاَّ ذِكْرُ الأرضِ مفردةً والسماءِ مفردةً، فلذلك حَسُن التعبيرُ بالتثنيةِ. وأمَّا البيتُ فكأنه قال: حَبْلَيْ قومي وقومِك، وأنَّثَ في "تبايَنَتا" على المعنى لأنه عنى بالحبالِ المودَّة".
قوله: "طائِعِين" في مجيئِه مجيءَ جَمْعِ المذكرِين العقلاءِ وجهان، أحدهما: أنَّ المرادَ: أَتيا بمَنْ فيهما من العقلاء وغيرِهم، فلذلك غَلَّب العقلاءَ على غيرِهم، وهو رَأْيُ الكسائيِّ. والثاني: أنه لمَّا عامَلهما معاملةَ العقلاء في الإِخبارِ عنهما والأمرِ لهما جُمِعا كجَمْعِهم، كقولِه:
{ { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف: 4] وهل هذه المحاوَرَةُ حقيقةٌ أو مجازٌ؟ وإذا كانت مجازاً فهل هو تمثيلٌ أو تخييلٌ؟ خلافٌ.