قوله: { مَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ }: "ما" موصولةٌ أو موصوفةٌ. وفي "إنْ" ثلاثةُ أوجهٍ: شرطية وجوابُها محذوفٌ. والجملةُ الشرطيةُ صلةُ ما والتقديرُ: في الذي إنْ مَكَّنَّاكم فيه طَغَيْتُم. والثاني: أنها مزيدةٌ تشبيهاً للموصولةِ بـ "ما" النافيةِ والتوقيتيةِ. وهو كقوله:
4047 ـ يُرَجِّي المرءُ ما إنْ لا يَراهُ وتَعرِضُ دونَ أَدْناه الخُطوبُ
والثالث: - وهو الصحيحُ - أنها نافيةٌ بمعنى: مَكَّنَّاهم في الذي ما مكَّنَّاكم فيه من القوةِ والبَسْطَةِ وسَعَةِ الأرزاق. ويدلُّ له قولُه تعالى في مواضعَ: { { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [الروم: 9] وأمثالِه. وإنما عَدَلَ عن لفظِ "ما" النافية إلى "إنْ" كراهيةً لاجتماعِ متماثلَيْن لفظاً. قال الزمخشري: "وقد أَغَثَّ أبو الطيبِ في قولِه:
4048 ـ لَعَمْرُك ما ما بان منك لِضاربٍ .......................
وما ضَرَّه لو اقتدى بعُذوبة لفظِ التنزيل فقال: "ما إنْ بانَ منك".
قوله: "فما أَغْنَى" يجوزُ أَنْ تكونَ "ما" نفياً، وهو الظاهرُ أو استفهاماً للتقرير. واستبعده الشيخُ لأجْلِ قولِه: "مِنْ شيء" قال: "إذ يصيرُ التقديرُ: أيُّ شيء أغنى عنهم مِنْ شيءٍ، فزاد "مِنْ" في الواجب، وهو لا يجوزُ على الصحيح". قلت: قالوا تجوزُ زيادُتها في غيرِ الموجَبِ وفََسَّروا غيرِ الموجَبِ بالنفيِ والنهيِ والاستفهامِ، وهذا استفهامٌ.
قوله: "إذ كانوا" معمولٌ لـ "أَغْنى" وهي مُشْرَبَةٌ معنى التعليلِ أي: لأنهم كانوا يَجْحَدُون.