خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ
٢٠
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ
٢١
-محمد

الدر المصون

قوله: { لَوْلاَ نُزِّلَتْ }: هذه بمعنى: هَلاَّ، ولا التفاتَ إلى قول بعضِهم: إنَّ "لا" زائدةٌ والأصلُ: لو نُزِّلَتْ. والعامَّةُ على رفع "سورةٌ مُحْكَمَةٌ" لقيامِها مقامَ الفاعل. وزيد بن علي بالنصبِ فيهما على الحالِ والقائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرُ السورة المتقدمةِ، وسوَّغ وقوع الحال كذا وَصْفُها كقولك: الرجل جاءني رجلاً صالحاً. وقُرئ: { فَإِذَآ نَزَلَتْ سُورَةٌ }. وقرأ زيدُ بن علي وابن عمير "وذَكَرَ" مبنياً للفاعل أي: اللَّه تعالى. "القتالَ" نصباً.
قوله: "نَظَرَ المَغْشِيِّ" الأصلُ: نَظَراً مِثْلَ نَظَر المَغْشِيِّ.
قوله: { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ طَاعَةٌ } اختلف اللغويون والمُعْربون في هذه اللفظةِ، فقال الأصمعي: إنها فعلٌ ماضٍ بمعنى: قارَبَ ما يُهْلِكه وأنشد:

4062 ـ فعادَى بينَ هادِيَتَيْنِ مِنْها وَأَوْلَى أَنْ يزيدَ على الثلاثِ

أي: قارَبَ أن يزيدَ. قال ثعلب: "لم يَقُلْ أحدٌ في "أَوْلَى" أحسنَ مِنْ قولِ الأصمعيِّ"، ولكنْ الأكثرون على أنه اسمٌ. ثم اختلف هؤلاء فقيل: هو مشتقٌّ من الوَلْيِ وهو القُرْبُ كقوله:

4063 ـ يُكَلِّفُني لَيْلَى وقد شَطَّ وَلْيُها وعادَتْ عَوادٍ بيننا وخُطُوْبُ

وقيل: هو مشتقُّ مِن الوَيْلِ. والأصلُ: فيه أَوْيَل فقُلبت العين إلى ما بعدَ اللام فصارَ وزنُه أَفْلَع. وإلى هذا نحا الجرجانيُّ. والأصلُ عدم القَلْبِ. وأمَّا معناها فقيل: هي تهديدٌ ووعيدٌ كقولِه:

4064 ـ فأَوْلَى ثم أَوْلَى ثم أَوْلَى وهَلْ للدَرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ

وقال المبرد: يُقال لمَنْ هَمَّ بالغضبِ: أَوْلَى لك، كقولِ أعرابي كان يُوالي رَمْيَ الصيدِ فيَفْلَتُ منه فيقول: أَوْلى لك، ثم رمى صيداً فقارَبَه فأفلتَ منه، فقال:

4065 ـ فلو كان أَوْلَى يُطْعِمُ القومَ صِدْتُهم ولكنَّ أَوْلى يَتْرُكُ القومَ جُوَّعا

هذا ما يتعلَّقُ باشتقاقِه ومعناه. أمَّا الإِعرابُ: فإن قلنا بقول الجمهور ففيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ "أَوْلَى" مبتدأٌ، و"لهم" خبرُه، تقديرُه: فالهلاكُ لهم. وسَوَّغَ الابتداءَ بالنكرة كونُه دعاءً نحو: { { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } [الهمزة: 1]. الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه العقابُ أو الهلاكُ أَوْلَى لهم، أي: أقربُ وأَدْنى. ويجوز أن تكونَ اللامُ بمعنى الباءِ أي: أَوْلَى وأحَقُّ بهم. الثالث: أنه مبتدأٌ، و"لهم" متعلِّقٌ به، واللامُ بمعنى الباء. و"طاعةٌ" خبره، والتقدير: أولَى بهم طاعةٌ دونَ غيرِها. وإنْ قلنا بقول الأصمعيِّ فيكون فعلاً ماضياً وفاعلُه مضمر، يَدُلُّ عليه السِّياقُ كأنه قيل: فأَوْلَى هو أي: الهلاكُ، وهذا ظاهرُ عبارةِ الزمخشري حيث قال: "ومعناه الدعاءُ عليهم بأَنْ يَلِيَهم المكروهُ". وقال ابن عطية:/ "المشهورُ من استعمالِ العرب أنك تقول: هذا أَوْلَى بك مِنْ هذا أي: أحقُّ. وقد تَسْتعملُ العربُ "أَوْلَى" فقط على جهةِ الحذفِ والاختصارِ لِما معها من القول فتقول: أَوْلَى لك يا فلانُ على جهةِ الزَّجْرِ والوعيد" انتهى. وقال أبو البقاء: "أَوْلَى مؤنثة أَوْلات" وفيه نظر لأن ذلك إنما يكون في التذكير والتأنيث الحقيقيَيْن، أمَّا التأنيثُ اللفظيُّ فلا يُقال فيه ذلك. وسيأتي له مزيدُ بيانٍ في سورة القيامة إنْ شاء الله.
قوله: { طَاعَةٌ }: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه خبرُ "أَوْلَى لهم" على ما تقدَّم. الثاني: أنها صفةٌ لـ "سورةٌ" أي: فإذا أُنْزِلَتْ سورةٌ مُحْكَمَةٌ طاعةٌ أي: ذاتُ طاعةٍ أو مُطاعةٌ. ذكره مكيٌّ وأبو البقاء وفيه بُعْدٌ لكثرةِ الفواصلِ. الثالث: أنها مبتدأٌ و"قولٌ" عطفٌ عليها، والخبرُ محذوفٌ تقديرُه: أَمْثَلُ بكم مِنْ غيرِهما. وقَدَّره مكي: مِنَّا طاعةٌ، فقدَّره مقدَّماً. الرابع: أن يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي: أَمْرُنا طاعةٌ. الخامس: أنَّ "لهم" خبرٌ مقدمٌ، و"طاعةٌ" مبتدأٌ مؤخرٌ، والوقف والابتداء يُعْرَفان مِمَّا قدَّمْتُه فتأمَّلْه.
قوله: "فإذا عَزَمَ" في جوابِها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: قولُه: "فلو صَدَقُوا" نحو: "إذا جاءني طعامٌ فلو جِئْتَني أطعمتُك". الثاني: أنه محذوفٌ تقديره: فاصْدُقْ، كذا قَدَّره أبو البقاء. الثالث: أن تقديرَه: فاقْضُوا. وقيل: تقديره: كَرِهوا ذلك و"عَزَمَ الأمرُ" على سبيل الإِسنادِ المجازيِّ كقولِه:

4066 ـ قد جَدَّتِ الحربُ بكم فَجُدُّوا ....................................

أو يكونُ على حَذْفِ مضافٍ أي: عَزَمَ أهلُ الأمرِ.