خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٩٠
-المائدة

الدر المصون

قوله تعالى: { رِجْسٌ }: خبرٌ عن هذه الأشياء المتقدمة فيقال: "كيف أخبر عن جمع بمفرد؟ فأجاب الزمخشري بأنه على حَذْف مضاف اي: إنما شأنُ الخمرِ، وكذا وكذا، ذكر ذلك عند تعرُّضِه للضميرِ في "فاجتنبوه" كما سيأتي، وكذا قَدَّره أبو البقاء فقال: "لأنَّ التقديرَ: إنما عَمَلُ هذه الأشياءِ" قال الشيخ بعد حكايتِه كلامَ الزمخشري: "ولا حاجة إلى هذا، بل الحكمُ على هذه الأربعةِ أنفسِها أنَّها رِجْسٌ أبلغُ من تقدير هذا المضاف كقوله: { { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة: 28]. وهو كلامٌ حسن، وأجاب أبو البقاء أيضاً بأنه يجوزُ أَنْ يكونَ "رجس" خبراً عن "الخمر" وحُذِفَ خبرُ المعطوفاتِ لدلالةِ خبرِ الأولِ عليها". قلت: وعلى هذا فيجوزُ أن يكونَ خبراً عن الآخِر وحُذِفَ خبرُ ما قبلَه لدلالةِ خبرِ ما بعده عليه؛ لأنَّ لنا في نحو قولِه تعالى: { { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] هذين التقديرين، وقد تقدَّم تحقيقُهما غيرَ مرةٍ.
والأنصابُ جمع "نَصَب"، وقد تقدم ذلك أول السورة والأزلام تقدمت أيضاً، والرِّجْسُ قال الراغب: "هو الشيء القَذِرُ، رجل رِجْس، ورجالٌ أَرْجاس" ثم قال: "وقيل: رِجْس ورِجْز للصوت الشديد، يقال: بعير رَجَّاس: شديد الهدير، وغمام راجِس ورجَّاس: شديد الرعد" وقال الزجاج: "وهو اسمُ لك ما استُقذر من عمل قبيح، يقال: رَجِس ورَجَس بكسر الجيم وفتحها يَرْجُسُ رِجْساُ إذا عمل عملاً قبيحاً، وأصلح من الرِّجْس بفتح الراء وهو شدة صوت الرعد، قال:

1809- وكلُّ رَجَّاسٍ يسوقُ الرَّجْسا

وفَرَّق ابن دريد بين الرِّجْس والرِّجْز والرِّكْس، فجعل الرِّجْسَ: الشر، والرِّجْز: العذاب، والرِّكْس: العَذِرة والنَّتْن، ثم قال: "والرِّجْسُ يقال للاثنين"، فتحصَّل من هذا أنه اسمٌ للشيءِ القَذِرِ المنتن أو أنه في الأصل مصدرٌ.
وقوله: { مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } في محلِّ رفعٍ لأنه صفةٌ لـ "رجس" والهاء في "فاجتَنُبِوه" تعودُ على الرجس أي: فاجتنبوا الرجسَ الذي أخبر به عَمَّا تقدَّم من الخمر وما بعدها. وقال أبو البقاء: "إنها تعود على الفعل" يعني الذي قَدَّره مضافاً إلى الخمر وما بعدها، وإلى ذلك نحا الزمخشري أيضاً، قال: "فإنْ قلت: إلامَ يَرْجِعُ الضمير في قوله: "فاجتنبوه؟ قلت: إلى المضافِ المحذوف، أو تعاطِيهما أو ما أشبه ذلك، ولذلك قال: { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } وقد تقدَّم أن الأحسن أن هذه الأشياء جُعِلَتْ نفسَ الرجس مبالغة.